وبناء على ذلك فحكمة الله عز وجل متعلقة بفعله ومتعلقة بمفعوله، بفعله فلا ينسب إلى العبث؛ وبمفعوله بما يحسن به إلى الناس، من جلب المنفعة ودفع المضرة.
إذاً فنحن نثبت الحكمة لله عز وجل لا على أنه محتاج إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، ولكن لأن فعله ليس بعبث وليس بباطل، وهو سبحانه وتعالى إنما يفعل الفعل لمصلحة العبد، فلهذا فنحن نثبت لله الحكمة.
والمنكرون للحكمة القائلون بأن فعله إنما هو لمجرد المشيئة، لهم شبهات، منها مثلاً قوله تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء: 23)) ، ولكن هذا ليس فيه دليل:
أولاً: لأن الآية في إبطال ألوهية الأصنام، ومن خصائص ألوهية الأصنام أنها تسأل إذا كانت ممن يتوجه إليه السؤال، أما الله فإنه لا يسأل.
ثانياً: أن معنى الآية لا يسأل عما يفعل سؤال مناقشة، بحيث يمنع أو يؤذن له؛ لأنه تام السلطان سبحانه وتعالى، فله أن يفعل ما يشاء، ولكن نحن نعلم أن فعله مقرون بالحكمة، وليس في الآية ما يشير إلى أن فعل الله عز وجل ليس له حكمة، بل في الآية ما يدل على كمال سلطانه، وأنه لا أحد يسأله، أو على كمال فعله وحكمته، فلا نحتاج أن نسأل لماذا فعل؟ لأننا نعلم أنه ما فعل إلا لحكمة.
فالآية منزلة على أحد وجهين إما أنه لا يسال عن فعله لكمال سلطانه؛ أو لا يسال عن فعله لكمال حكمته، لكن غير الله يسأل: لماذا فعلت؟ لأنه قد يفعل الشيء لغير حكمة، وقد يفعل الشيء لما يظنه حكمة وليس بحكمة، إما الله عز وجل فلا يفعل الشيء إلا لحكمة يعلم أنها