فهذا القياس لا يفيدهم شيئا إذ مطلوبه علم معين بقضية كلية وتلك القضية لا مرد لها أصلا إلا ما يدعونه في ذلك المعين فهم إن علموا ثبوت الحكم لذلك المعين بدون تلك القضية لم يحتاجوا إليها وإن لم يعلموا ثبوت الحكم للمعين بدون تلك لم يعلم صدق القضية عليه فلا يفيد بل إذا عورضوا بنقيض ما قالوه كان أبين في القياس فيقال لهم: ليس في الوجود واحد يصدر عنه واحد بل كل صادر في الوجود فهو عن اثنين فصاعدا فلا حادث عن المخلوقات إلا عن أصلين كالولد بين أبوين والتسخين والتدبير والإحراق والإغراق وغير ذلك لا بد فيه من اثنين والشعاع المنبسط لا بد فيه من اثنين فإذا لم يكن في الوجود واحد لا يصدر عنه واحد كان قول القائل: ليس كل واحد لا يصدر عنه إلا واحد أصح في العقل والقياس من قولهم.
بل لو قال: الواحد الذي ذكروه لا يصدر عنه شيء أصلا لكان قوله أصح في العقل والقياس من قولهم، وكذلك إذا قيل: الواحد الذي ذكروه لا يصدر عنه شيء إلا مع غيره لكان قوله أصح من قولهم، وذلك يقتضي أن يكون للرب شريك وولد إذ مقصودهم بالصدور هو لزومه إياه وهذا هو التوليد العقلي، وحقيقة قولهم: إن العقول والنفوس متولدة عنه، وقولهم بالعلة والمعلول هو القول بالتولد والمتولد عنه- فاستطرد شيخ الإسلام كلامهم إلى أن قال «1» -:
فإنه يحتاج أن يعلم أولا أنهم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) «2».
وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع وبيّنا أن قول هؤلاء أفسد من قول مشركي العرب الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله، وقالوا: إن آلهتنا تشفع لنا فإن أولئك كانوا يقولون: إن الرب فاعل مختار والملائكة مخلوقون له، ولكن ضلوا في بعض ما وصفوه كما ضلت النصارى في بعض ما ذكروه، وأما هؤلاء أعظم ضلالا من اليهود والنصارى ومشركي العرب فإنهم في الحقيقة لا يجعلون الرب تعالى خالقا لشيء ولا يفعل فعلا بمشيئته واختياره ولا يجعلون الملائكة عباده بل