أمر يقدر في العقل لا حقيقة له في الخارج عن الذهن ولا ثبوت له في نفس الأمر وهذا عين التعطيل للموجود الواجب الذي شهد به الوجود من حيث هو وجود فإنّ الوجود من حيث هو وجود يشهد بوجود واجب الوجود كما قال ابن سينا (?) وغيره وأصابوا في ذلك فإنه لا ريب أن ثم وجودا وأنه إما واجب وإما ممكن والممكن لا بد له من واجب فثبت أنه لا بد في الوجود من موجود واجب.
فهذا البيان الذي ذكروه في إثبات واجب الوجود حق واضح مبيّن ولكنهم زعموا مع ذلك أنه وجود مطلق بشرط الإطلاق لا يتعين ولا يتخصص بحقيقة يمتاز بها عن سائر الموجودات بل حقيقته وجود محض مطلق بشرط نفي جميع القيود والمعينات والمخصصات وهم يعلمون في المنطق وكل عاقل تصور هذا الكلام أن هذا لا حقيقة له ولا وجود له إلا في الذهن لا في الخارج فصار الموجود الواجب الذي يشهد به الوجود في الخارج لا يوجد إلا في الذهن وهذا من أبين التناقض والاضطراب والجمع بين النقيضين حيث جعلوه بموجب البرهان الحق موجودا في الخارج وبموجب سلب الصفات هو التوحيد الذي تخيلوه معدوما في الخارج فصار قولهم مستلزما لوجوده وعدمه، وكذلك قول من سلك سبيلهم من القرامطة الباطنية (?) كأصحاب رسائل أخوان الصفا وأمثالهم من الاتحادية أهل وحدة الوجود كابن سبعين وابن عربي (?) ونحوهما، بل وسبيل نفاة الصفات من أهل الكلام كالمعتزلة وغيرهم بل وسبيل سائر من نفى شيئا من الصفات فإن لازم كلامه تعطيله ونفيه مع إقراره بثبوته فيكون جامعا بين النقيضين وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
وإنما المقصود هنا التنبيه على مثال أقيستهم الفاسدة التي يجعلونها براهين فيما خالفوا فيه الحق، ثم إذا تبين أن هذا الواحد ليس له حقيقة في الخارج قيل لمن قال: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد: ما معنى الصدور؟ أنت لا تعني به حدوثه عنه ولا فعله له بمشيئته وقدرته فعلا يسبق به الفاعل مفعوله وإنما تعني به