وأما قوله: (والدليل على قدرته: إيجاده الأشياء، وهي إما بالذات وهو محال وإلا لكان العالم وكل واحد من مخلوقاته قديما وهو باطل فتعين أن يكون فاعلا بالاختيار وهو المطلوب) فقد يقال هذا إنما أثبت به أنه فاعل بالاختيار وإن كان لم يقرر مقدمات دليله، وفعله بالاختيار يثبت الإرادة ولا يثبت القدرة، وهو قد أثبت الإرادة فيما بعد: فظاهر هذا أنه كرر دليل الإرادة ولم يذكر على القدرة دليلا لكن تقرير ذلك أن يقال إنه إما أن يكون المبدع للأشياء مجرد ذات عارية عن الصفات يستلزم وجوده المفعول كما يقوله المتفلسفة القائلون بقدم الأفلاك، وإما أن يكون ذاتا موصوفة بالصفات لا يجب معها وجود المخلوقات كما عليه أهل الملل.
وإذا أردت التقسيم الحاضر قلت: الفاعل إما مجرد الذات، وإما الذات بصفة فإن كان الأول فمعلوم أن العلة التامة تستلزم وجود المعلول فإذا كان مجرد الذات هو الواجب فمجرد الذات علة تامة فيلزم وجود المعلول جميعه، ويلزم قدم جميع الحوادث وهو خلاف المشاهدة، وإن كان الثاني فالصفة التي يصلح بها الفعل هي القدرة. أو يقال: فإذا لم يكن موجبا لذاته بل بصفة، تعين أن يكون مختارا فإنه إما موجب بالذات، وإما فاعل بالاختيار والمختار إنما يفعل بالقدرة إذ القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يفعل فأما من يلزمه المفعول بدون إرادته فهذا ليس بقادر بل ملزوم بمنزلة الذي تلزمه الحركات الطبيعية التي لا قدرة له على فعلها ولا تركها.