فلما قرر إثبات الصانع أخذ يثبت وحدانيته، فقال: (والدليل على وحدته أنه لا تركيب فيه بوجه من الوجوه وإلا لما كان واجب الوجود لذاته ضرورة افتقاره إلى ما تركب منه ويلزم من ذلك أن لا يكون من نوعه اثنان إذ لو كان لزم وجود الاثنين بلا امتياز وهو محال)، وهذا الدليل أخذه من كلام أبي عبد الله الرازي وقد سلك فيه مسلك المتفلسفة كابن سينا وأمثاله، فإن هذا هو عمدتهم فيما يدعونه من التوحيد وهو حجة باطلة، ومقصودهم فيما يدعونه من التوحيد وقد بين ذلك علماء المسلمين كما بينه أبو حامد الغزالي في «تهافت الفلاسفة»، وكما قد صرح الرازي وغيره في هذه الطرق في مواضع أخر.
وأما قوله: ويلزم من ذلك أن لا يكون من نوعه اثنان إذ لو كان لزم وجود الاثنين بلا امتياز وهو محال، فطريقهم في تقرير هذا أنه لو كان اثنان واجبا الوجود لكانا مشتركين في وجوب الوجود، فإن كان كل منهما ممتاز عن الآخر بتعينه كان كل منهما مركبا مما به الاشتراك وما به الامتياز فيكون كل منهما مركبا وقد تقدم إن التركيب محال، وإن لم يكن أحدهما ممتاز عن الآخر لزم وجود اثنين بلا امتياز.
وبهذه الحجة يثبتون إمكان الأجسام كلها لأنهم يقولون الجسم مركب إما من المادة والصورة، وإما من الجواهر الفردة، وكل مركب ممكن فبهذه الحجة تقوم الصفات، وكانوا من أشد الناس تجهما، لأنهم زعموا أن إثبات الصفات ينافي هذا التوحيد، وقد تفطن لفساد هذه الحجة من تفطن لها من الفضلاء كأبي حامد الغزالي وغيره وذلك من وجوه:
أحدها: أن يقال: قول القائل إنه يلزم افتقاره إلى ما ركب منه وذلك ينافي وجوب الوجود ممنوع لأن غاية ما فيه أن ما ركب منه جزء من أجزائه، وقول القائل: إن المركب مفتقر إلى جزئه ليس بأعظم من قوله: إنه مفتقر إلى كله، فإن الافتقار إلى المجموع أشد من الافتقار إلى بعض المجموع، فالمفتقر إلى المجموع مفتقر إلى كل جزء منه والمفتقر إلى جزء منه لا يلزم أن يكون مفتقرا إلى الجزء الآخر.