فإن قيل: إنما نفينا الرحمة والمحبة والرضا والغضب ونحو ذلك من الصفات لأنه لا يعقل لها حقيقة تليق بالخالق إلا الإرادة فالمحبة والرضا إرادة الإحسان، والغصب إرادة العقاب منه فالفرق بينهما بحسب تعلقاتها لأن هذه في نفسها ليست عدة، قيل: هذا باطل فإن نصوص الكتاب والسنة والإجماع مع الأدلة العقلية تبين الفرق فإن الله سبحانه يقول: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (?) وقال تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ (?) فبين أنه لا يرضى هذه المحرمات مع أن كل شيء كائن بسببه، وقال تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (?) وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام وبإجماع سلف الأمة قبل حدوث أقوال النفاة من الجهمية ونحوهم أن الله يحب الإيمان والعمل الصالح، ولا يحب الكفر والفسوق والعصيان، وأنه يرضى هذا ولا يرضى هذا والجميع بمشيئته وقدرته، والذين لم يفرقوا لهم تأويلات؛ تارة يقولون لا يرضاه لعباده المؤمنين فهم يقولون لا يحب الإيمان والعمل الصالح ممن لم يفعله كما لم يرده ممن لم يفعله ويقولون: إنه يحب الكفر والفسوق ممن فعله كما أراده ممن فعله.
وفساد هذا القول مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، مع دلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف على فساده، وتأويلهم الثاني قالوا: لا يرضاه دينا كما يقولون لا يريده دينا، ومعناه عندهم أنه لا يريد أن يثيب فاعله إذ جميع الموجودات والأفعال عندهم بالنسبة إليه سواء، لا يحب منها شيئا دون شيء ولا يبغض منها شيئا دون شيء، وقد بسط الكلام على فساد هذا القول وتناقضه في مواضع أخر.