بسم الله الرّحمن الرّحيم سئل شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه وهو مقيم بالديار المصرية في شهور سنة اثنتي عشر وسبعمائة أن يشرح العقيدة التي ألفها الشيخ شمس الدين محمد ابن الأصفهاني الإمام المتكلم المشهور الذي قيل إنه لم يدخل إلى الديار المصرية أحد من رءوس علماء الكلام مثله وأن يبين ما فيها.
فأجاب إلى ذلك واعتذر بأنه لا بد عند شرح ذلك الكلام من مخالفة بعض مقاصده لما توجبه قواعد الإسلام فإن الحق أحق أن يتبع، والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين، والله تعالى يقول: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1»، النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «2»، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) «3».
وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «4» وليعلم أن الشرح المطلوب الآتي ذكره اشتمل ولله الحمد مع اختصاره على غرر قواعد أصول الدين التي لم ينهض بتحقيق الحق فيها إلا الجهابذة النقاد من سادات الأولين والآخرين كما ستشهد ذلك ويشهد به وقت التأمل أهل العدل والإنصاف، من المحقين المحققين، والله سبحانه ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأول العقيدة المذكورة قوله: (الحمد لله حق حمده، وصلواته على محمد رسوله وعبده: للعالم خالق واجب الوجود لذاته واحد عالم قادر حي مريد متكلم سميع بصير.