وذلك لأن خلو الموصوف عن الضدين اللذين لا ثالث لهما مع قبوله لهما ممتنع في العقول، وبهذا يتبين أن الحي القابل للسمع والبصر والكلام إما أن يتصف بذلك، وإما أن يتصف بضده وهو الصمم والبكم والخرس، ومن قدّر خلوه عنهما فهو مشابه للقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا: لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، لا يقال: هو حي عالم ولا يقال: ليس بحي عالم، ولا يقال: هو عليم قدير ولا يقال: ليس بقدير عليم، ولا يقال: هو متكلم مريد ولا يقال: ليس بمتكلم مريد.
قالوا لأن من الإثبات تشبيها بما تثبت له هذه الصفات وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات، وقد قاربهم في ذلك من قال من متكلمة الظاهرية «1» كابن حزم «2» أن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة وقال: لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا، ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات وقرمطة في السمعيات فإنا نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور.
وإن العبد إذا قال: رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور كان قد أحسن في مناجاة ربه وإذا قال: اغفر لي وتب عليّ إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن محسنا في مناجاته، وإن الله أنكر على المشركين الذين امتنعوا من تسميته بالرحمن فقال تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60) «3» وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180) «4» وقال تعالى: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ