التفويض ليس له معنى، بل هو ممتنع في الحقيقة؛ فإن كل عاقل يعرف لسان العرب إذا قرأ قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، عرف من هذا أن الله سبحانه موصوف بالعلو، وإذا قرأ قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، عرف أن الله موصوف باليدين، وإذا قرأ قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، عرف أن الله متصف بالسمع والبصر، ولا يلزم من ذلك التشبيه، فإن الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] كما هو متحقق في الشرع والعقل.
فمذهب التفويض مذهب متعذر، ولهذا قال شيخ الإسلام: (ما وقف واقف على حقيقة مذهب التفويض إلا وهو في نفس الأمر يعتقد مذهب النفاة، قال: فإنه ما صرح بحرف التفويض إلا لما كان الظاهر عنده ممتنعاً، فصار هذا التفويض من الألفاظ التي لا معنى تحتها، فهذا قول متناقض في العقل، ولهذا ترى أن أساطين المعتزلة، ومتقدمي المتكلمين -وهم أدرى بالأصول العقلية ومسالكها- لم يستعملوا هذه الطريقة.
وعليه فعبارات أبي جعفر الطحاوي رحمه الله لا بأس بها، فتُفسر على وجه صحيح، ولكن ينتبه لمثل هذا الإطلاق الذي يطلقه كثير من المتأخرين وينسبونه إلى السلف ويريدون به معنى باطلاً، وهو في نفس الأمر كلام مجمل يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً.