قال المصنف رحمه الله: [وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26] فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أن الله تعالى بصفاته ليس كالبشر].
بعدما ذكر المصنف مسألة النبوة ذكر مسألة كلام الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن من أصول الإيمان: الإيمان بكتب الله سبحانه وتعالى، وهي الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأخص هذه الكتب وأعظمها وأحكمها هو القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعظيمُ القرآن مجمع عليه بين المسلمين ولكن لما عطل الجهمية والمعتزلة الباري عن صفاته، ولم يصفوه بصفات الكمال، كان من تلك الصفات صفة الكلام، فقالوا: إن كلام الله مخلوق، ولما كان صريحاً في القرآن أن القرآن كلام الله قالوا: القرآن مخلوق.
وقد أجمع السلف على أن هذه كلمة كفرية، وقد حكى الإجماع غير واحد كـ شيخ الإسلام وغيره، بل القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، حروفه ومعانيه، وهذا التقرير هو فرع عن الأصل المقول في الصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، ومن أخص صفاته الثابتة في العقل والشرع: الكلام، فإن الله موصوف بالكلام.