الأصل الخامس: أن العباد لهم مشيئة على الحقيقة، وقد خالف في هذا الأصل الجبرية، وإمام الجبرية هو الجهم بن صفوان الذي يقول: إن العبد مجبورٌ على فعله، وقارب مذهب الجبرية مذهب أبي الحسن الأشعري، الذي يقول: إن للعبد مشيئةً مسلوبة التأثير، يقع الفعل مقارناً لها لا بها، ولهذا قال صاحب جوهرة التوحيد:
ومن يقل بالطبع أو بالعلة فذاك كفر عند أهل الملة
فينفون السببية والتعليل، وهذا جبر لكنه دون جبر الجبرية المحضة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والفرق بين أبي الحسن وجهم بن صفوان في مسألة القدر غالبه فرق لفظي)، وبعض الفرق بينهم فرق لا يعقل عند العقلاء، وطائفة من الفرق بينهم فرق له معنى.
فمن العدل أن يقال: إن قول أبي الحسن وعامة أصحابه ليس جبراً محضاً كجبر الجهم بن صفوان، ولكنه ينتهي إلى هذا المذهب في الجملة، وهو موافق لعبارات أهل السنة والجماعة في اللفظ، ولكنه في المعنى ينزع إلى قول الجبرية، وقد انغلق هذا الباب على علماء الأشاعرة، فلا يرون في الباب إلا قول القدرية أو قول الجبرية، فأتوا إلى قول الجبرية؛ لأن إمامهم رفض قول القدرية، ولكنه استعمل تحته ألفاظ السلف والشريعة.
والذين صرحوا بأن قول الأشعرية جبر دون جبر الجهم بن صفوان ليس هو شيخ الإسلام أو نحوه من علماء السنة، بل الرازي وأبو الفتح الشهرستاني، وأبو المعالي الجويني صرحوا بذلك، ورجع الجويني عن هذا المذهب، وقال: إن هذا مذهب جبري لا معنى له، فانتحل في الرسالة النظامية مذهباً ملفقاً.