الأصل السادس: الإيمان بأن سائر أفعاله وخلقه وأمره سبحانه وتعالى لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، وقال سبحانه: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، والحكمة التي أجمع عليها السلف رحمهم الله، ليست هي الحكمة التي يثبتها المتكلمون من المعتزلة وغيرهم، فإن إثباتهم فيها قاصر، فإن السلف كما قرر شيخ الإسلام، يؤمنون بحكمة الباري سبحانه وتعالى، المتعلقة بذاته صفة له، والمتعلقة بمفعولاته على ما تقتضيه هذه الحكمة، نعمةً، أو ابتلاءً، أو عقوبة، أو غير ذلك، ولهذا قد يكون الشيء الواحد لبعض العباد نعمة ولبعضهم عقوبة، ولبعضهم ابتلاءً ومحنة.
مثال ذلك المال؛ فإن الله سبحانه وتعالى آتى داود مالاً عظيماً، فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:10].
ولاشك أن هذا الملك والمال الواسع الذي أوتيه داود عليه الصلاة والسلام هو نعمة، ولذلك سماه الله سبحانه وتعالى فضلاً، وأضافه إليه فقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا).
وقد يكون المال عقوبة، كقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:44] قال طائفة من السلف: فتح الله عليهم الدنيا، وكما في قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28]، والإغفال قد يكون بالدنيا، وقد يكون بغيرها، ولهذا قال الله تعالى لنبيه: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه:131].
وقد يكون المال ابتلاءً ومحنة كالولد، كما قال تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28]، وكل هذا يرجع إلى حكمته سبحانه وتعالى وقضائه وعدله، أو فضله وإحسانه.