قال المصنف رحمه الله: [لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته].
هذه جملة مجملة، وبيان هذا: أن ابن كلاب والأشعرية تبعاً له لا يرون مسألة تجدد الصفة، ولهذا لما تكلم الحارث بن أسد على العلم في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة:143] قال: إن العلم هنا هو علم الظهور، بمعنى أنه لم يتجدد علم له سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما بلغ الإمام أحمد رحمه الله قول الحارث بن أسد هجره، واختلف الناس في تعليل هجر الإمام أحمد له، والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لقوله هذا في مسألة الفعل المتجدد.
ويبين شيخ الإسلام المقصود بالعلم فيقول: والعلم بالشيء موجوداً ليس هو العلم به مقدراً باتفاق العقلاء، ولا شك أن الله سبحانه علم ما كان وما سيكون، ولكن قوله تعالى: {إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة:143] هذا من إثبات العلم، والله موصوف بالعلم أزلاً، والعلم بالشيء موجوداً ليس هو العلم بالشيء مقدراً، وهذا لا يرجع إلى نقص في علم الله؛ إذ إن العلم هنا تعلق بالموجود، والعلم في الأول تعلق بالمقدر.
وابن كلاب والأشعري وأتباعهم لا يثبتون هذا الفرق، وهذا فرع عن قولهم: إن العلم واحد أزلي، والكلام واحد أزلي، وكذا القدرة والإرادة، وهلم جراً.
فقوله رحمه الله: (لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته) إن أراد أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير قبل خلقهم وبعد خلقهم، وأنه لم تحدث له صفة مختصة من جهة أصلها، بمعنى أن الصفات قديمة وأزلية فهذا صحيح، وإن أراد أن صفة الفعل لا أثر لها في ذاته سبحانه وتعالى، فلا شك أن هذا هو المذهب الذي كان يقول به الأشعري وابن كلاب، ويرون أنه لا فرق في أفعال الرب سبحانه بين حاله سبحانه قبل الفعل وبعده، فالجملة هنا ليست محكمة، ولهذا تأولها علماء الأشاعرة الذين شرحوا الكتاب على وفق مرادهم.
قال المصنف رحمه الله: [وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً].
هذه جملة حسنة، فإنه يقرر أن الله سبحانه لم يزل ولا يزال متصفاً بصفات الكمال، وهذا متفق عليه بين أئمة السنة والجماعة، وهذه جملة لا إشكال فيها.
ثم قال رحمه الله: [ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري].
إن أراد أن صفات الله سبحانه وتعالى أزلية، وأنه سبحانه وتعالى له الصفات ولم يكن شيء معه، وأنه الأول كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء) وصفاته ليست محصلةً من مفعولاته ..
فهذا صحيح.
وإن أراد أن الفعل حدث بعد أن لم يكن فلا شك أن هذا المذهب هو الذي اتفق السلف على إبطاله، ودخل على أبي الحسن الأشعري من جهة المعتزلة، وإن كان قد ترك مذهبهم.
قال المصنف رحمه الله: [له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق].
هذا تأكيد لما تقدم في كلامه، وقوله: (له معنى الربوبية ولا مربوب) أي: قبل وجود المربوب، (ومعنى الخالق) أي: اسم الخالق، (ولا مخلوق) أي: قبل وجود المخلوق، وهذا كلام محتمل وإذا كان الكلام محتملاً فيجب أن يبين كونه محتملاً، ثم يفسر بما هو مناسب لمقاصد السلف، وأما التكلف في تأويل الكلام فليس منهجاً صحيحاً.