فالحاصل أن المذاهب في أزلية الصفات ثلاثة:
المذهب الأول: مذهب السلف الذين يقولون بأزلية الصفات وأزلية الأفعال، فلم يزل الرب فاعلاً كما أنه لم يزل متصفاً بصفات الكمال، وأفعاله من صفاته، ومسألة الفعل هي المميزة عن مذهب الأشاعرة.
المذهب الثاني: مذهب الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات، ويقولون: إن الفعل حدث بعد أن لم يكن، فهذا تعطيل محض.
المذهب الثالث: وهو مذهب الأشعرية الذين يقولون بأزلية الصفات، ويتفقون على إثبات سبع صفات هي: الحياة، والكلام، والبصر، والسمع والإرادة، والعلم، والقدرة.
ويزيد بعض متقدميهم ومحققيهم غير هذه السبع، وكلها عندهم قديمة، وأما الفعل عندهم فحدث بعد أن لم يكن.
واتفاق السلف مع الأشاعرة على أزلية الصفات اتفاق مجمل، ولا يعني أن مذهب السلف في الصفات موافق لمذهب الأشاعرة، بل بينهم فرق من جهة حقيقة ما يثبت من الصفات، ومن جهة ما تتضمنه الصفة من الفعل كصفة الكلام مثلاً، فإن السلف يقولون: إن الله لم يزل موصوفاً بصفة الكلام.
والأشاعرة يقولون: إن الله لم يزل موصوفاً بصفة الكلام، لكن الكلام عند الأشاعرة معنىً واحد قائم في النفس ليس بحرف ولا صوت.
وأما السلف فعندهم الكلام بحرف وصوت ويتعلق بالإرادة والمشيئة ..
وينتبه لمثل هذا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -ولا سيما في كتبه الكبار- فمثلاً لما أراد أن يرد على الأشاعرة في مسألة الحكمة والتعليل، قال: وهذا القول الذي ذكره الأشعري أصله قول جهم بن صفوان، وجمهور المسلمين من السلف والأئمة وأهل الحديث والمعتزلة وجمهور طوائف الشيعة يثبتون الحكمة.
فجعل كل هؤلاء مثبتةً للحكمة والتعليل، ومعنى هذا: أنهم يتفقون على إثبات الحكمة والتعليل إجمالاً، وإلا فالمعتزلة تثبت الحكمة التي تعود إلى العبد فقط، وتتعلق بمصالح العباد، لكن لا يثبتون حكمة تتعلق أو تقوم بذات الله سبحانه وتعالى فعلاً له وإرادة له، وهذا خلاف قول السلف.
فينبغي لطالب العلم إذا ذكر له موافقة طائفة من الطوائف الكلامية لأهل السنة أن يتبين، فإن جمهور هذه الموافقات تكون موافقات مجملة ليست مفصلة، وقد يقع شيء من التفصيل في هذا.