وأما الساحر، فإنه يختلف عن الكاهن والعراف من وجه، ويشاركهم من وجه، أما مشاركته إياهم فبالكفر، والسحر الذي ذكر في القرآن -وهو المقصود عند العرب بالسحر- لا يكون إلا بنوع من الكفر، وهو أنه لا بد أن يصاحبه خضوع لشياطين الجن، ولهذا قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ..} [البقرة:102].
والغالب على السحرة أنهم كهان وعرافون، ولكن من كان ساحراً فأخبر عن محل سحر المسحور، فإن من سأله وصدقه لا يكون كافراً، والفرق أن من أتى كاهناً أو عرافاً، أو حتى ساحراً فسأله عن شيء من الغيب فصدقه فإنه يكفر؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله، أما محل السحر، فليس هو من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، فالساحر الأول الذي سحر زيداً يعلم مكان السحر، فيمكن أن بعض بني آدم يعلمون هذا المكان، فهذه مسألة لا بد من التفريق فيها، فالذي يقع من كون السحرة قد يخبرون عن محل السحر، هو كما يقرر الإمام ابن تيمية رحمه الله أن الساحر لا بد أن يكون له معين وشيطان من الجن، وهذا الكبير من الجن الذي خضع له الساحر، يكون له جنودٌ وأعوان، ومعلوم أن الجن عندهم من سرعة الانتقال والمراقبة والحركة شيء كثير، ومن ذلك ما ذكر في قصة سليمان قال: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ..} [النمل:39]، فيقع في أعوان هذا الساحر من يراقب ويتابع، فقد يرى سحر أحد السحرة، فيعلم مكانه، فيحدث كبيره من الجن بذلك، وكبيره من الجن يحدث من خضع له من السحرة.
فإذا سحر شخص وجاء إلى هذا الساحر يسأله عن مكان السحر لم يكفر؛ لأن السحر ليس من الغيب المطلق، إلا إن كان تصديق زيدٍ لهذا الساحر لاعتقاده أن علمه بهذا علم سرٍ مختص، وأن هذا الساحر يمكن أن يعلم الأشياء الخفية، وأن عنده القدرة على النفوذ والعلم بهذا السر، فإنه يكفر حينئذٍ؛ لأنه اعتقد فيه أنه يعلم الغيب.