قال: [والله يغضب ويرضى لا كأحدٍ من الورى].
وهذه جملةٌ حسنة في كلام أبي جعفر، وهي صريحة في مخالفة مذهب الأشعرية، فإن الأشاعرة لا يثبتون صفة الغضب والرضا، وإذا ذكروه فإنهم يتأولونه، فـ الأشعري في بعض كتبه يذكر الغضب والرضا ولكن يتأول ذلك بالإرادة.
والإمام الطحاوي لما قال: (والله يغضب)؛ فإن الأصل في كلامه أنه يريد الحقيقة، ومن تأوله من الشراح الأشعرية بأن مراده إرادة الانتقام أو إرادة الإنعام فإن هذا يقال: إنه تأويل لكلام المصنف على خلاف ما أراد.
وكان ابن كلاب يثبت لله غضباً ورضا، ومن هنا فإن ابن كلاب أجود حالاً من الأشعري في الصفات، لكنه مع هذا يجعل الغضب الذي يثبته واحداً أزلياً كما يجعل الكلام واحداً أزلياً، ومن هنا فارق ابن كلاب السلف في صفة الرضا والغضب، وأما الأشعري فإنه دونه؛ حيث يتأول الغضب وما في معناه من الصفات على الإرادة، وإن كان الأشعري في الجملة أحسن حالاً من متأخري أصحابه؛ لأن الأشعري هو والمحققون من الأشاعرة، كالقاضي أبي بكر ونحوه يفسرون ذلك بالإرادة، فيفسرونه بصفة، وأما المتأخرون ممن تأثر بالاعتزال كثيراً فإنهم يفسرون ذلك بالمفعولات على طريقة المعتزلة كـ أبي هاشم الجبائي ونحوه.