وأما هل يطيق العبد فوق ما كلف، فإنه بيّن بالضرورة العقلية والحسية أن العبد يطيق أكثر مما كلف؛ فإن العبد يصلي هذه الخمس الصلوات مع أنه يطيق أن يصلي ست صلوات وعشر صلوات في اليوم والليلة، وهذه مسائل معروفة بينة الوضوح.
وهذه النتائج من مسائل تكليف ما لا يطاق، ومسائل التعديل والتجوير التي توجد في كتب الأصوليين، فضلاً عن كتب أصول الدين عند المتكلمين، هي في الغالب نتائج في مسألة القدر.
وهنا تنبيه: وهو أن هذه المسائل إذا ذكرت في كتب أصول الدين، يقول علماء الأشاعرة: هذا قول أصحابنا -يعنون الأشعرية-، والمعتزلة يقولون بأن هذا قول أصحابنا -يعنون المعتزلة- فيكون بيناً أن هذا قولٌ للمعتزلة وهذا قولٌ للأشاعرة، ولكن إذا ذكرت في كتب الأصول الكلامية، فمعلوم أن جمهور المتكلمين من الأصولين على طريقة أبي الحسن الأشعري هم من الشافعية، ومتكلمة الحنفية كثير منهم أو بعضهم على الاعتزال، فإذا ما ذكر معتزلة الحنفية هذه المسائل في مسائل أصول الفقه وقالوا: وقول أصحابنا كذا، فُهِم أن هذا مذهب الحنفية، في حين أن الغزالي أو الآمدي أو الرازي من أشعرية الشافعية إذا ذكروا هذه المسائل فقالوا: وقول أصحابنا، فيفهم أن هذا مذهب للشافعية.
فهذه المسألة التي حقيقتها خلاف بين المعتزلة والأشعرية قد تنصب في كتب أصول الفقه الكلامية خلافاً بين الحنفية والشافعية، والحقيقة أنها ليست كذلك، بل هي خلاف بين المعتزلة والأشاعرة، وليست خلافاً بين سائر الحنفية مع سائر الشافعية أو المالكية.