قال: [وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد].
وهذه جملة متعقبة في كلام الطحاوي، فإنه قال: (وأفعال العباد هي خلق الله) وهذا لا إشكال فيه، ولكنه قال: (وكسبٍ من العباد)، وقوله: (وكسب) هو من باب العطف، أي: فهي بخلق وكسب، فهذا التعبير بالكسب تعبير أشعري، وإن كان لفظ الكسب من حيث هو مستعمل في الكتاب وفي السنة أيضاً مثل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [المدثر:38]، وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286]، فأفعال العباد سميت بالشرع أو في كلام الله سبحانه كسباً، لكن تسمية أفعال العباد كسباً على الاختصاص بهذا اللفظ وحده هو الطريقة التي استعملها أبو الحسن الأشعري، وعامة أصحابه، ولهذا فإن تعبير المصنف هنا ليس بحسن.
ولو عبر المصنف بالعبارات المأثورة عن السلف لكان أولى، فلم يكن السلف يخصون هذا اللفظ بأفعال العباد، وإن كان أصله مستعملاً في كلام الله سبحانه وتعالى، ولكن الأشاعرة يطلقون أن أفعال العباد كسبٌ ويريدون بذلك أن العبد يفعل بإرادة مسلوبة التأثير، وبإرادة -كما يعبر بعضهم- يقع الفعل عندها لا بها.
فالقصد أن هذا موضع يتعقب فيه أبو جعفر الطحاوي لأنه خص ذلك بالكسب، وهذا التخصيص هو من أحرف الأشعرية في الأصل.