قال: [وبعذاب القبر لمن كان له أهلاً، وسؤال منكرٍ ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم].
قوله: (على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم):
عذاب القبر مذكور في القرآن، ولكنه ذكر في القرآن مجملاً، وهو المذكور في مثل قوله تعالى إخباراً عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر:46]، وكأن مراد الطحاوي رحمه الله بقوله: (على ما جاء عن رسول الله) أي: مفصلاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فصل عذاب القبر.
والأحاديث في عذاب القبر متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، ومن ذلك حديث أنس المتفق عليه: (إن أحدكم إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: فيأتيه ملكان ..).
وجاء عند ابن حبان: (أن أحدهما منكر والآخر نكير ..) ولهذا ذكر المصنف ذلك بقوله: (وسؤال منكر ونكير) وهذان اسمان للملكين، ولم يخرج في الصحيح تسميتهما، ولكن الأئمة ذكروا ذلك، وممن ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله، واحتج على هذه التسمية بهذا الحديث، فهذا الحديث مستعمل في كلام الأئمة رحمهم الله ومحتجٌ به.
ومن ذلك أيضاً ما جاء في حديث زيد بن ثابت الثابت في الصحيح قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بضعة نفر، وهو على بغلة إذ جالت به وكادت أن تلقيه، وإذا أقبر خمسة أو ستة أو أربعة فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال: من هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع به).
وأيضاً في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير)، وفي روايةٍ في الصحيح: (وإنه لكبير) .. إلخ.
وأيضاً جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة ومقعده بالعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار)، فأحاديث عذاب القبر وكذا نعيمه متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أجمع عليها السلف، وخالف في ذلك طوائف من المعتزلة، فأنكروا عذاب القبر أو أنكروا بعض تفاصيله.