الكتب الموجودة اليوم في اليهود والنصارى لا يصح اعتبارها في تقرير الحقائق الشرعية، أو الحقائق العلمية، فضلاً عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أنه قال: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) وقوله: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فإن المراد بذلك، ما كان موجوداً في كتبهم المأثورة.
وأما الكتب التي انتحلوها من بعد وعلم انتحالها، فإن مثل هذه الكتب لا يصح اعتبارها ولا يُحدَّث بها، ولكن بما في التوراة أو في الإنجيل، فإن مثل هذا هو المراد في قوله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وأما ما كان متأخراً حادثاً، ويعلم أنه ليس عليه أثر الأنبياء، فإن هذا مما يلزم اطراحه ولا يجوز اعتباره بحال من الأحوال.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) ليس المراد بذلك أن تبنى التفاسير لبعض كلام الله في القرآن، أو بعض الأخبار التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، على أخبار بني إسرائيل التي عليها أثر التحريف، فضلاً عن الأخبار التي ليست من أخبار أنبيائهم وإنما كتبها فلاسفتهم، أو رهبانهم أو كفارهم، فهذا باب ينبغي تضييقه، وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أبعد الناس عن الأخذ عن بني إسرائيل حتى حدث بعض التابعين، ثم صار من بعدهم يذكرون كثيراً من الروايات عنهم.
وما يذكر عن عبد الله بن عمرو وغير من الصحابة أنهم أخذوا بعض الروايات عن بني إسرائيل فهي على الوجه المأذون فيه في الجملة، وإن كان ما ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن مجملاً كقصة آدم مثلاً مع زوجه، لا يجوز أن تفسر تفسيراً مفصلاً بآثار عن بني إسرائيل لا يعلم أهي صحيحة أو ليست صحيحة، ولا يصح إدخال ذلك في قوله: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، فإن النبي نهى عن تصديقهم، ونهى عن تكذيبهم في مثل هذه المقامات، لأنه إما أن يصدق باطل، وإما أن يكذب حق؛ هذا في الأمور المحتملة للتصديق والتكذيب.
أما ما ابتدعوه في دينهم، وقالوه إفكاً وافتراءً فإنه يرد ولا كرامة له، بل يرد ولا يعتبر بحال.