وقد عبر الجمهور من السلف بأن الإيمان يزيد وينقص، وعبر ابن المبارك وبعض المتقدمين بأن الإيمان يتفاضل، والإمام مالك رحمه الله يقول: الإيمان يزيد وينقص، وفي بعض جواباته يقول: الإيمان يزيد.
ويسكت عن ذكر لفظ النقص، وقد ذكر بعض المالكية وبعض الشراح من المتأخرين أن لـ مالك في مسألة نقص الإيمان قولين:
القول الأول: أنه ينقص.
القول الثاني: أنه لا ينقص، وهذا غلط على مالك، بل مالك رحمه الله تارةً يقول: يزيد وينقص، وتارةً يقول: يزيد، ثم يسكت أو ويتوقف عن لفظ النقصان، ومعلوم أن من أقر بزيادة الإيمان، لزمه بضرورة العقل فضلاً عن الشرع أن يقر بنقصه، ولهذا ترى أن السلف أطبقوا على أن الإيمان يزيد وينقص مع أن النقص لم يذكر في القرآن، بل ليس في القرآن إلا لفظ الزيادة.
وقد قيل للإمام أحمد: (يا أبا عبد الله، الإيمان يزيد وينقص؟ قال: نعم.
قيل: فأين هو في كتاب الله؟ قال: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:76]، قيل: وينقص.
قال: إذا كان يزيد فإنه ينقص)، وعليه فمن حكى عن مالك أنه ينفي نقص الإيمان ولو في أحد قوليه، فحكايته غلط، بل سكت في مقام لحكمة أو لمعنىً مختص.
قال شيخ الإسلام: (ولعله كان في بعض مناظراته أو جواباته للمرجئة، فترك اللفظ الذي لم يذكر في القرآن إغلاقاً لباب الجدل)، أي: فإن مالكاً رحمه الله كان من أكثر الأئمة بُعداً عن الجدل والخوض في ذلك، فتكلم بالألفاظ المحكمة التي لا يتمكن سائل من أن يقول له: ما دليلك على لفظ النقص.
وأما في السنة فإن الأمر كذلك، فلم يرد لفظ النقص إلا في مثل قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أغلب للب الرجل منكن)، وإن كان النقص المذكور هنا ليس هو النقص المراد الذي هو بترك المأمور أو بفعل المحظور ونحوه، وإنما هو نقص من حيث الأصل في العقل وفي الدين على ما فسره صلى الله عليه وسلم بكونها تمكث الليالي لا تصلي إلى آخره، ولكن استدل به طوائف من أهل السنة على نقص الإيمان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جعل الدين ينقص بما قُدّر في حكم الله وقضائه الكوني وإسقاطه الشرعي، فلأن يكون من تفريط العبد من باب أولى، فهذا استدلال حسن وهذه المسألة مسألة محكمة عند السلف وهي: زيادة الإيمان ونقصانه في موارده الأربعة.