وعن التفسير الذي ذكره البخاري رحمه الله، قال بعض الشراح كـ ابن حجر وغيره بأن البخاري يذهب إلى أن الإيمان والإسلام سواء، وأنه لا فرق بين الإيمان والإسلام، وهي مسألة نزاعٍ بين أهل السنة، وجمهور النزاع فيها نزاعٌ لفظي أو من نزاع التنوع، ولكن نُسب إلى البخاري وسفيان الثوري أنهم يقولون: إن الإيمان والإسلام سواء، وهذا القول لم يثبت عن الإمام البخاري رحمه الله أنه صرح به، وإنما فُهم من تبويب ذكره في صحيحه، فإنه قال: (باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام خوف القتل) وذكر قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات:14]، وذكر حديث سعد: (أعط فلاناً فإنه مؤمن، فقال النبي: أو مسلم)، قال: فإذا كان على الحقيقة فهو قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، ففهم من ترجمته رحمه الله، أنه يرى أن الإيمان والإسلام سواء، وكذلك فهم من تفسيره.
ولا شك أن الأمر ليس كذلك، فلم يعرف عن أحدٍ من السلف أنه سوى بين الإيمان والإسلام، والدلالة الشرعية بينة في أن منزلة الإيمان أعظم من منزلة الإسلام، بل إن ابن كثير والسمعاني وجماعة ذكروا إجماع أهل السنة على أن الإيمان والإسلام ليسا على درجةٍ واحدة، بل درجة الإيمان أخص، بل ذكر ابن كثير أن التسوية بينهما هي من أقوال المعتزلة.
وعلى كل حال فعامة السلف على أن الإيمان والإسلام ليسا على درجة واحدة، بل الإيمان أخص وأولى، وإن كان كل ما كان إسلاماً صحيحاً، فلا بد أنه معه إيمان، وأما إظهار الإسلام الذي يعرض لبعض المنافقين، فلا شك أنه متجردٌ عن الإيمان.