الفرق بين الجمهور وبين المرجئة في عدم تكفير تارك الصلاة من جهة الاستدلال

وهنا مسألة: وهي أن من لم يكفر تارك الصلاة على قسمين: منهم من لم يكفر تارك الصلاة، لكون الدلائل عنده لم تقم على كفره، ومنهم من لم يكفر تارك الصلاة لكونه لا يرى أن العمل يدخل في مسمى الإيمان، كما هي طريقة مرجئة الفقهاء، وهذا فرق معتبر، فمن جعل تارك الصلاة غير كافر لعدم ثبوت الدلائل الموجبة لكفره عنده، فهذا قول مأثور ولا يجوز تسميته بدعة، وإن كان مرجوحاً.

وأما من جعل تارك الصلاة ليس كافراً، وموجب ذلك عنده أن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان، والصلاة من آحاده، فلا شك أن هذا الموجب بدعة، بإجماع السلف، وبهذا كان يُعلِل طوائف من المرجئة أن ترك الصلاة ليس كفراً، ولكن لا يجوز بحال أن يقال: إن من لم يكفر تارك الصلاة، فقد دخل عليه قول المرجئة، أو أنه تأثر بهم، أو أخذ بلوازم أقوالهم، أو غير ذلك من الإطلاقات والأقوال التي ليس عليها تحقيق.

وكيف يقال عن الزهري وأمثاله: إنه على مثل هذا الوجه، مع أن الزهري من أشد الناس كلاماً في الإرجاء وذمه، بل إنه لما ذكر أحاديث فضل التوحيد كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان في الصحيح: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)، وأمثاله من الأدلة التي قال عليه الصلاة والسلام فيها: إن الكلمتين أو إن الشهادة توجب دخول الجنة كان جوابه عن هذه الأحاديث: إنها أحاديث قالها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل نزول الفرائض.

وكل هذا يريد به الزهري رحمه الله المباعدة عن مذهئ المرجئة، وإلا فلا شك أن التوجيه لهذه الأحاديث ليس كذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث بهذه الأحاديث في المدينة النبوية، بعد نزول الفرائض، فجوابه ليس محكماً، ولكنه يُذكر ليعرف به أن الزهري كان من أبعد الناس عن الإرجاء، ومن أكثرهم ذماً له، حتى قال في هذا النوع من الأحاديث والآثار ما قال بموجب المباعدة عن الإرجاء وأهله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015