قد يذكر عند هذه الجمل أنه لا يشهد لمعين بجنة أو نار من أهل القبلة، والأمر كذلك، أما النار فلا يصح أن يُشهد لواحد من أهل القبلة بعذاب في النار، وأما الجنة فإنه يُشهد لمن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة، وهم من عينهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، كالعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم، وهذا هو الذي عليه عامة السلف.
وقالت طائفة من المتقدمين: إن من استفاض ذكره وإمامته وديانته في الأمة شهد له بعينه بالجنة، وهذا قاله بعض المتقدمين من السلف، والجماهير على خلافه، ويحتج أصحاب هذا القول بما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: (لما مُرَّ بجنازة وأثني عليها خيراً فقال: وجبت وجبت وجبت، ثم مُرَّ بجنازة فأثني عليها شراً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وجبت وجبت وجبت، ثم قال: أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وأثنيتم عليه شراً فوجبت له النار).
وهذا الحديث ليس فيه دلالة على أن من استفاض الثناء عليه بالخير أنه يعين بالجنة، فإن قوله: (وجبت له الجنة) حكم مطلق، لا يلزم منه العلم المختص الذي يتعلق بغير من أوحي إليه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يكون هذا من الموجبات، وأما أن يكون الموجب معيناً فلا، فإن من آمن وصلى وجبت له الجنة، ومع ذلك إذا علمته مؤمناً مصلياً لا يجوز لك أن تشهد له بالجنة، مع أن الصلاة موجب للجنة أعظم من إيجاب ثناء الناس، وثناء الناس بخير من موجبات الجنة، فإنه نوع من الشهادة بالعدل، ولكن هذا شيء مرده إلى الله سبحانه وتعالى.
وعليه فالاستدلال بالحديث ليس جيداً، ولهذا فإن عامة السلف لا يرون ذلك، وهناك خلاف لفظي بين الإمام أحمد ويحيى بن معين، وقد كان يحيى بن معين يقول: أنا أقول عمن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه في الجنة كـ أبي بكر: إنه في الجنة، ولا أشهد بذلك، وكان الإمام أحمد يقول له: إنك إن قلت: إنه في الجنة فقد شهدت، فهذا خلاف لفظي، وكأنه تحرز عن كلمة الشهادة بلفظها.