وأما مسألة اللفظ بالقرآن، هل يقال: إنه مخلوق أو ليس مخلوقاً؟
فإن هذه جملة أحدثتها الجهمية وتكلمت بها، وكان من طريقة المحققين من أعيان السلف كالإمام أحمد رحمه الله النهى عن هذه الجملة مطلقاً، وكان يقول كما في رواية أبي طالب: (من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع)، وهذه الرواية وإن تكلم فيها بعض المتأخرين إلا أنها صواب وثابتة عن الإمام أحمد، وكان متقدمو الحنابلة الكبار يصححونها، وانتصر لها وصححها من متأخريهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وليس فيها ما هو منكر بل هي على قاعدة الأئمة في هذا الباب.
ومراد الإمام أحمد رحمه الله أن الإطلاق إثباتاً أو نفياً كله غلط، فلا يقال: إن اللفظ مخلوق، ولا غير مخلوق، بل يقول: إن القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود، وإنه ليس مخلوقاً، ويقول: وإن أفعال العباد مخلوقة.
وقال بعض أئمة السنة المتقدمين: إن اللفظ بالقرآن مخلوق، وأرادوا بذلك: اللفظ الذي هو فعل العبد، ومعلوم بالإجماع أن فعل العبد مخلوق، وقد تردد شيخ الإسلام في ثبوت ذلك عن البخاري، مع أنه في ظاهر كتابه (خلق أفعال العباد) كأنه على هذا القول.
وقال بعضهم: إن اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً، وأرادوا: القرآن نفسه، فمراد محمد بن يحيى الذهلي بقوله: (إن اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً)، مراد صحيح.
وهذه المسألة ليس لها كبير قدر، سواء صح ما نقل عن البخاري أو لم يصح، وقد قاله بعض المتقدمين، ومرادهم بذلك أن أفعال العباد مخلوقة.
فهذا مراد وهذا مراد، فليس من الفقه أن يقال عمن قال: إن اللفظ بالقرآن مخلوق، إنه مبتدع ابتداعاً مطلقاً، وإنما يقال: القول بدعة، وكذلك الذهلي لما قال: اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً، لا يقال كذلك: إن الذهلي مبتدع، بل يقال: القول بدعة، وإن كان ابن القيم رحمه الله ذكر كلام الإمام أحمد والذهلي والبخاري، وقال: وأحسنه قول أبي عبد الله البخاري، وهذا ليس كذلك، بل أحسنه قول الإمام أحمد رحمه الله، وهو أن يترك هذا الباب ويعبر بالعبارات الشرعية المحكمة.