قال المصنف رحمه الله: [ونسمِّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين].
ذكر المصنف مسألة الأسماء، ونعني بها اسم أهل الكبائر والمخالفين من أهل الظلم والفسوق والعصيان والمخالفين للسنة والشريعة، هل يسمون مؤمنين أو مسلمين، أو كفاراً، أو فاسقين؟
والأحكام: أي حكم هؤلاء في الآخرة.
فابتدأ المصنف بمسألة الأسماء، فقال: (ونسمِّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين)، ثم يذكر بعد ذلك الإيمان، فيقول: (والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان)، ثم يذكر بعد ذلك حكم أهل الكبائر في الآخرة، وهذا لا إشكال فيه، لكن كان الأصل في الترتيب أن يبدأ بمسألة الإيمان، ثم مسألة الأسماء والأحكام لأنها نتيجة لها.
وقوله: (ونسمِّي أهل قبلتنا) مراده بأهل القبلة أهل الإسلام، وهم من يستقبل القبلة ويصلي إليها.
وقوله: (مسلمين مؤمنين)، شرط لهذه التسمية أن يتحقق عندهم أصل الإيمان، ولهذا قال: (ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدِّقين).
وهذه جملة مجملة، وتُفسَّر بأن أبا جعفر رحمه الله يقصد أنهم محققون لأصل الإيمان، ومن حقق أصل الإيمان فإنه يستحق عنده هذه التسمية، مع أنه قد يكون في هذا التفسير بعض التردد؛ لأن من المعلوم أن أبا جعفر وأمثاله لا يكفِّرون بالعمل المأمور به على الأعيان كمسألة الصلاة، بل لهم قول حتى في جنس العمل الظاهر كما سيأتي تفصيله.
لكن إذا فسر مراده بقوله: (ما داموا) أي: محققين لأصل الإيمان، فهذا معنىً مناسب، ثم يرجع إلى تسميته، وهو قوله: (ونسمِّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين) فإنه إذا كان كذلك، فإن هذه التسمية عنده تكون مستحقةً لكل مسلم، سواء كان براً أو فاجراً، وسواء كان من الظالمين لأنفسهم أم من المقتصدين أم من السابقين بالخيرات، ومعنى هذا أن أهل الكبائر عنده يُسمون مسلمين ويُسمون مؤمنين.
أما أن سائر أهل الإسلام سواء كانوا أبراراً أو فجاراً، من أهل الكبائر أو غيرها، يُسمون مسلمين، فهذا بالإجماع، ولم يخالف فيه أحد إلا الخوارج والمعتزلة.
وأما جمهور طوائف الأمة -فضلاً عن إجماع أهل السنة والجماعة المحكم- فهم على أن الأصل في أهل الإسلام أن يسموا مسلمين، وكل واحد بعينه مهما كانت كبائره فإنه يسمى مسلماً، فاسم الإسلام لا إشكال فيه بوجه، ولا يُنازع في إطلاقه على أهل الكبائر بأعيانهم إلا متأثر بالخوارج.
فقول من يقول: نقول عنهم مسلمين على الإطلاق لكن لا نسمي أعيانهم مسلمين، فهذا من أثر الخوارج.
وإذا قلنا: إنهم يُسمون مسلمين بالأعيان فلا يعني هذا أنه لا يصح فيهم إلا هذا الاسم.
وأما قول أبي جعفر: (مؤمنين) فإن هذا فرع عن رأيه في مسمى الإيمان؛ فإنه لما كان العمل عنده ليس داخلاً في مسمى الإيمان، والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، صار أهل الكبائر الذين يقصرون في العمل مؤمنين عنده بناءً على أصله.
ولهذا نقول: هذه النتيجة -وهي قوله: (مؤمنين) - مناسبة لقوله في مسمى الإيمان.
وإذا قلت على طريقة السلف: إن الإيمان قول وعمل، فإن اسم الإيمان لا يكون مقامه في أهل الكبائر كمقام اسم الإسلام، وهذا ليس معناه أن أهل الكبائر لا يسمون مؤمنين بحال، وإنما معناه أنه لا يطلق عليهم هذا الاسم في سائر الموارد، وهذه مسألة وقع فيها تنازع بين أهل السنة -وإن كان أصلها مجمعاً عليه بينهم-: هل يسمى أهل الكبائر مؤمنين أو لا يسمون؟
- فمنهم من قال: إنهم يسمون مسلمين ومؤمنين.
- ومنهم من قال: إنهم يسمون مؤمنين على الإطلاق دون التعيين.
وهذه أقوال يذكرها بعض أهل السنة والجماعة من أصحاب الأئمة.
والذي تدل عليه آثار السلف وجواباتهم في هذه المسألة، بل الذي دل عليه القرآن والسنة، أن اسم الإيمان في حق أهل الكبائر تارة يذكر مطلقاً بدون قيد، وتارة يذكر مقيداً، وتارة لا يذكر.
وإذا كان لا يذكر فإما أن يكون منتقلاً عنه وإما أن يكون منفياً.