وأما الشفاعة التي حصل فيها نزاع بين أهل القبلة فهي شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر، فنفتها الوعيدية؛ لأن أهل الكبائر عند الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم من طوائف الشيعة مخلدون في النار، فلا تصح الشفاعة لمن استوجب عندهم دخول النار فضلاً عمن هو مخلد فيها.
وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر إخراج قوم من النار بالشفاعة، فإنه لا يخلد في النار إلا من كفر برب العالمين، وأما سائر الفسَّاق والعصاة مهما كان فسقهم وفجورهم وظلمهم فإنهم وإن عذبوا إلا أنهم لا يخلدون في النار؛ لأن سقوط العقوبة عن الذنب والكبيرة له أسباب متعددة يأتي ذكرها في أهل الكبائر.
وقد احتجت الوعيدية لقولهم بنفي الشفاعة عن أهل الكبائر بقوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء:100] ولا شك أن هذه الآية في سياق الكلام عن الكفار، فلا تحل لهم الشفاعة، والله سبحانه وتعالى إنما يأذن في الشفاعة لمن يشاء من الشافعين، ويرضى من المشفوعين لهم.