نقل عن بعض المتقدمين أنهم قالوا: إنما عرج بروحه، إلا أن هناك فروقاً بين قول من يقول: إنها رؤيا منامية، وبين من يقول: إنه عرج بروحه، فإن المعراج بالروح يكون على التمام لها.
والذي عليه عامة الصحابة والسلف، أن الإسراء والمعراج كان على الحقيقة بروحه وجسده، وهو الذي دلَّ عليه ظاهر القرآن وصريح السنة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين وغيرهما ذكر استفتاح جبريل للسماوات وأن معه محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقال له: (من؟ فيقول: جبريل، فيقال: ومن معك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم،
إلخ).
واستبعاد أن يعرج بشخصه وجسده جهل لا يكون إلا فرعاً عن عدم الفقه لمعنى كونه عرج به، فإن الذي قدَّر ذلك وشاءه وأحكمه هو الله سبحانه وتعالى، والله على كل شيء قدير، وإذا كان قد جاء في كتاب الله قول عفريت من الجن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل:39] أي: عرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} [النمل:39 - 40] مع أن هذا لم يتدخل فيه جبريل، فكيف إذا كان الله سبحانه وتعالى قد قدَّر أن جبريل عليه الصلاة والسلام هو الذي يقوم بهذا الأمر الذي أمره الله سبحانه وتعالى به؟!
فلا شك أنه لا يوجد في مقتضى العقل ما يعارض ذلك، والذي يزعم مخالفة شيء من القرآن للعقل فإن زعمه مبني على القياس الحسي الذي يرتبط بقدرات بني آدم وخصائصهم الممكنة الناقصة المحتاجة.