إن سائر المنكرين لهذه الصفة مجمعون على أنه لا يصح أن يسأل عنه سبحانه بالأين، ويقولون: إن من سأل عنه بأين لزم أن يقوم في عقل الجاهل ما هو من التشبيه.
فيقال لهم: إنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد إثبات إيمان الجارية قال لها في أول سؤال: (أين الله؟ فقالت: في السماء.
قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.
قال: أعتقها فإنها مؤمنة).
وقد استوعب محمد بن عمر الرازي سائر الأدلة التي أوردها أئمة الجهمية والمعتزلة وابن سينا وأمثاله، وأوردها بعض أصحابه الذين شاركوه كـ أبي المعالي وغيره؛ استوعبها في كتبه المطولة كـ (المطالب العالية)، و (نهاية العقول)، و (أساس التقديس)، وزعم محمد بن عمر الرازي أنه لم يقل بإثبات هذه الصفة إلا الحشوية وأتباع محمد بن كرام المشبهة، وهذا جهل أو كذب، وأحسن أحواله الجهل، فإنه يعلم أن هذا ليس مذهباً مختصاً بهؤلاء وحدهم، وليس هناك طائفة معروفة يقال بأنها الحشوية.
وإن كان مراده بذلك المثبتة للصفات، فهذا تشبيه أو استعمال دخل عليه من المعتزلة، بل إنه قال في (أساس التقديس): (ولم يثبت هذه الصفة إلا الحنبلية والكرامية).
وأريد بالحنبلية أتباع الإمام أحمد؛ لأنه يزعم أن إثباتها مختص به، وهذه دعوى قالها الرازي وجماعة حين زعموا أن هذا المذهب الذي قرره شيخ الإسلام وأمثاله هو مذهب مختص بالإمام أحمد، وبعض هؤلاء يقول: هو مذهب للإمام أحمد وأهل الحديث، حتى لا يضيفوه إلى الشافعي وأبي حنيفة وأمثالهم من الفقهاء وغيرهم.
وقد استعمل بعض المفكرين من المعاصرين مثل هذا الكلام، فصار يخصص ما ذكره شيخ الإسلام بطريقة أهل الحديث، ويعني بأهل الحديث: أحمد وأمثاله، ويجعلون الشافعي وأبا حنيفة من الفقهاء.
وكل هذه طرق متكلفة، ولا شك أن السلف عُبَّادهم وفقهاؤهم ومحدثوهم، بل وعامة المسلمين على هذه الأصول، ولا يزيغ عنها إلا مخالف لأصولهم وطريقتهم، ومن يكون قد تلقى علمه ودينه عن الأصول الكلامية التي يعلم أنه من الممتنع في العقل فضلاً عن الشرع أن يعلق الإيمان والتوحيد بها.
قال شيخ الإسلام في درء التعارض: (ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلى غير ما ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما نزل عليه، لما كان هذا القرآن بياناً وهدىً للناس).