وقوله: (ولا شيء مثله).
هذا معتبر بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وهذا من النفي المجمل في القرآن، والله سبحانه وتعالى لما ذكر ما يتعلق بأسمائه وصفاته ذكرها مفصلةً مثبتة، وذكر النفي مجملاً إلا في مواضع، كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، وكقوله: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49].
ومن قواعد أهل السنة والجماعة في الصفات: أنهم يقولون: إن الله موصوف بالإثبات والنفي؛ والإثبات يقع مفصلاً ويقع مجملاً، ولكن الأصل فيه في القرآن هو التفصيل.
والنفي يقع مفصلاً ومجملاً، ولكن الأصل فيه الإجمال.
أما الإثبات المفصل: فهو ما ذكر في القرآن من ذكر أسماء الله سبحانه وتعالى؛ كقوله تعالى: {هُوَ الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ} [الحشر:23] ..
الآيات، وكذلك ما ذكر من الصفات، كقوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، {رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119] ..
إلى غير ذلك.
ويقع الإثبات مجملاً، وهو في الأسماء في مثل قوله تعالى: {وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وفي الصفات في مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60]، وعند هذه الآية قرر أهل السنة والجماعة -ولا سيما من تأخر كـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - أن كل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهو الكمال المطلق؛ فإن الخالق أولى به.
وإنما تكلم المتأخرون بهذا التفصيل -كـ شيخ الإسلام - مع أنك إذا تتبعت هذه الأحرف قد لا تجدها في كلام السلف، لأن مصطلح القياس من حيث اللغة العربية يقتضي نوعاً من التشابه أو التماثل، وإلحاق شيء بشيء، فلم يكن معتبراً في مسائل الصفات، ولكن لما تكلم أهل الاصطلاح بمصطلح القياس على معنى قياس الشمول، وقياس التمثيل، وقياس الأولى، إلى غير ذلك؛ صار كثير من أهل الكلام يعتبرون مذهبهم بنوع هو عند التحقيق من قياس الشمول أو قياس التمثيل، مع أنهم لا يسلمون بذلك، لكن هذا هو حقيقة المذهب، فلما وردت مسائل في القياس، وهل يستعمل القياس في حق الله وصفاته؛ قال من قال من المتأخرين من أهل السنة والجماعة: إنه يستعمل في حقه سبحانه وتعالى قياس الأولى، وهو أن كل كمال مطلق لا نقص فيه بوجه من الوجوه، فإن الخالق أولى به.
ومأخذهم في هذا القياس هو قوله تعالى: {ولله الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60]، مع أن تسميته (مثلاً) أصح، وينبغي ألاَّ يسمى قياساً إلا إذا قُصد بذلك البيان للمخاطب، أو إذا قيل: أيصح استعمال قياس الأولى في حق الله سبحانه؟ فيقال: نعم، ولكن يسمى (مثلاً أعلى) ولا يسمى قياساً اقتداءً بحرف القرآن؛ ولأن القياس لفظ حصل فيه اشتراك وإجمال، وجميع صور القياس لا تليق بالله سبحانه وتعالى، وإنما يستخدم في حقه قياس الأولى.
ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله في الرسالة التدمرية: (ويتحقق هذا بأصلين شريفين ومثلين مضروبين)، ثم ذكر الروح ونعيم الجنة، فالمثلان المضروبان هنا هما من باب قياس الأولى، لكن سماهما (مثلاً) اقتداءً بحرف القرآن.
وأما النفي المجمل في القرآن فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وأما النفي المفصل فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] ..
إلى غير ذلك.
والنفي المجمل هو الأصل، وأما النفي المفصل فهو فرع عن الإثبات، بمعنى: أنه ليس في القرآن نفي مفصل يراد به النفي المحض، أي: النفي الذي لا يتضمن أمراً ثبوتياً، ومن هنا قيل: إن النفي المفصل في القرآن فرع عن الإثبات، فمثلاً: قوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] أي: لكمال عدله، فتضمن النفي إثبات العدل، وهكذات ..
وعليه: فكل نفي مفصل في القرآن فلابد من أن يتضمن أمراً ثبوتياً.