قال المؤلف عليه رحمة الله: [ومن لم يتوق النفي والتشبيه زلَّ ولم يصب التنزيه، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية].
هذه الجملة التي ساقها الطحاوي رحمه الله هي استتمام لتعليقه على توحيد الأسماء والصفات.
وقوله: (ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه)، إشارة إلى أن مذهب سلف الأمة مبني على الجمع بين الإثبات والنفي، ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الأسماء والصفات على جهة الإثبات المفصل والمجمل، وذكر سبحانه وتعالى تنزهه عن مشابهة غيره أياً كان هذا الغير.
وإن كان المصنف رحمه الله استعمل لفظ النفي مقارباً للفظ التشبيه، إلا أن لفظ النفي أشرف من لفظ التشبيه؛ فإن لفظ التشبيه منفي على الإطلاق وإن لم يصرح بنفيه في القرآن، وإنما صرح في القرآن بنفي التمثيل، ولكن نفي لفظ التشبيه مستعمل في كلام السلف.
وأما النفي فإنه معنىً يقابل الإثبات في العربية، ويراد به هنا نفي الصفة، ونفي الصفة مجملاً أو مفصلاً مستعمل في القرآن، فالمجمل كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] والمفصل كقوله: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49].
ولا شك أن مراد أبي جعفر رحمه الله بالنفي هنا النفي الذي تستعمله الجهمية والمعتزلة ومن شاركهم في طريقتهم من متكلمة الصفاتية، فإن هذا النفي هو النفي المذموم عند السلف، والأولى ألا يعبر بالنفي مقابلاً للتشبيه، فإن السلف برآء من طريقة التعطيل والتشبيه والتمثيل، فيكون المقابل على التحقيق لطريقة المشبهة والممثلة هي طريقة المعطلة، إلا أن النفي لصفات النقص مجمع عليه بين السلف، وهم يستعملون في ذلك طريقة القرآن، فلا يفصلون في صفات النفي؛ لأن كل إثبات مفصل في القرآن فإنه يستلزم بضرورة العقل نفي ما يقابله.
ولو أن الطحاوي رحمه الله لم يستعمل لفظ النفي واستعمل لفظ التعطيل أو ما يقاربه مما ذم السلف لكان أولى.