دلالة الكتاب والسنة على ثبوت حقيقة الإيمان بالعمل مع التصديق

[والكتاب والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق].

ينبغي أن نضيف كلمة من أجل أن يستقيم الأمر على تصور أهل السنة، فنقول: (والكتاب والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حقيقة الإيمان وحكمه إلا بالعمل الصالح مع التصديق)؛ ذلك أن كلمة (حكم الإيمان) كلمة محتملة، فقد يقصد بحكم الإيمان ثمرته أو الأحكام المترتبة عليه، وقد يقصد بحكم الإيمان حقيقته، فهي عبارة موهمة، فهذه العبارة قد يقول بها المرجئ، وتستقيم على مذهبه، وقد يقول بها السني، لكن فيها نوع من الالتباس.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا أكثر من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة؛ فمن الكتاب قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] الآية، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] الآية، وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، نفي الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد، لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب، ولا يقال: إن بين تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبريل وتفسيره إياه في حديث وفد عبد القيس معارضة؛ لأنه فسر الإيمان في حديث جبريل بعد تفسير الإسلام، فكان المعنى أنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، مع الأعمال التي ذكرها في تفسير الإسلام].

هنا أشار إلى ما ذكرته من أن لفظ الإيمان إذا جاء مفرداً شمل الإسلام، كما في حديث وفد عبد القيس، وإذا جاء مقترناً بالإسلام فسر بالمعنى الأخص، وكما قلت: يمثل ذلك الصلاة، فأنت قد ترى إنساناً صلى الظهر أو العصر لم تعجبك صلاته، بمعنى: أنه ما خشع ولا قام بما ينبغي في الصلاة من الأمور المكملة، فيمكن أن تقول له: ما صليت، تعني: أنه ما أدى الصلاة على وجهها، فالصلاة الخاصة المطلوبة ما صلاها، ولو أنه أخل بالصلاة إخلالاً كاملاً قلت: ما صليت، يعني: ما أديت الصلاة أصلاً، وما قبلت صلاتك.

فكذلك الإيمان والإسلام، ولذلك يتميز مذهب أهل السنة والجماعة بهذه الشمولية في تفسير الألفاظ، واعتبار معاني الألفاظ ورد بعضها إلى بعض، سواء في مثل هذه الأمور أو في غيرها، هذا مما يتميز به منهج السلف عن مناهج أهل الأهواء والفرق، ومنهم المرجئة، وهو الجمع بين ألفاظ الشرع وإعطاء كل لفظ وكل معنى التفصيلات التي تتعلق به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015