قال رحمه الله تعالى: [وأما أولياء الله الكاملون فهم الموصوفون في قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:62 - 64].
والتقوى هي المذكورة في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، إلى قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
] في هذه الآية ذكر تعالى صفات أهل الولاية الكاملة أهل التقوى الذين قاموا بحق الله عز وجل، ذكر منها عشر خصال: الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالنبيين، ثم ذكر بعد ذلك إيتاء المال على حبه، ثم إقامة الصلاة، ثم إيتاء الزكاة، ثم الوفاء بالعهد، ثم الصبر في البأساء والضراء.
فهذه الخصال العشر إذا اجتمعت في إنسان على وجه شرعي فهو صاحب الولاية الكاملة لله عز وجل، نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من هذه الصنف.
قال رحمه الله تعالى: [وهم قسمان: مقتصدون ومقربون، فالمقتصدون: الذين يتقربون إلى الله بالفرائض من أعمال القلوب والجوارح.
والسابقون: الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته)].
في هذا الحديث وردت كلمة التردد، وهذه من الأمور التي تكثر إثارتها في الأيام الأخيرة، خاصة عندما أثار بعض الناس هذه المسائل على غير منهج السلف، كمسألة التردد ومسألة الهرولة، وإن كانت الهرولة لها خصوصية أكثر، لكن مثل هذه الأفعال التي وردت في حق الله عز وجل يؤمن بها كما جاءت على ظاهرها على ما يليق بجلاله عز وجل، ومن غير أن يورد المفهوم السلبي الناقص الذي يتبادر أحياناً إلى عقول بعض الناس، فباب الأخبار والأفعال أوسع من مسألة الصفات والأسماء، فليس كل فعل من أفعال الله يقصد به صفة، وليس كل خبر عن الله عز وجل يقصد به صفة، ومن ذلك ما في هذا الحديث.
فمسألة التردد يؤمن بها كما هي خبر عن الله عز وجل على ما يليق بجلاله، مع نفي ما يرد إلى الذهن من معنى التردد عند البشر؛ لأن البشر يتردد عن جهل وعن تقصير وعن ضعف.
فهذا المذكور عن الله تعالى إشارة إلى محبته لوليه، هذا هو المقصود، ومع ذلك لا تؤول كما يصنع المؤول، بل يؤمن بها كما هي وتثبت على حقيقتها كما وردت في السياق، ولكن لا نستنتج منها صفة، فلا يقال: من الصفات التردد؛ لأننا نعرف من السياق أن المسألة راجعة إلى ما بين الرب عز وجل وبين عبده، فإذا كنا نفهم هذا من السياق فإن المفهوم الكامل لهذه العبارة هو أن الله عز وجل يحب عبده ويكره له ما ينغصه، فيبقى اللفظ كما هو من دون أن يقال: إنه صفة؛ لأن إثبات الصفة يلزم منه لوازم أخرى زائدة عن مجرد إثبات السياق بما يكتنفه من قرائن وأحوال ومفهوم في المعنى العام.
ولذلك ما كان السلف يخوضون في هذه الأمور، يقولون: هذا الكلام حق ويبقى على ظاهره، ويثبت على ما يليق بجلال الله عز وجل، فقوله: (ما ترددت في شيء أنا فاعله) هذا كلام الله عز وجل الذي ذكره عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبقى كما جاء من دون أن يؤخذ منه اسم ولا صفة؛ لأنه من باب الأفعال ومن باب الأخبار، والأفعال والأخبار أوسع من الصفات، وهذا يعني أنه ليس كل ما يرد من فعل أو خبر نقول: إنه يثبت منه صفة، وليس كل صفة لله عز وجل يثبت منها اسم، فالأسماء توقيفية، والصفات أوسع منها، والأفعال أوسع من الصفات، والأخبار أوسع من ذلك كله.
قال رحمه الله تعالى: [والولي: خلاف العدو، وهو مشتق من الولي: وهو الدنو والتقرب، فولي الله: هو من والى الله بموافقته في محبوباته والتقرب إليه بمرضاته، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3].
قال أبو ذر رضي الله عنه: لما نزلت الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر! لو عمل الناس بهذه الآية لكفتهم).
فالمتقون يجعل ا