قال رحمه الله تعالى: [وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33]، فلا بد أن يحفظ الله حججه وبيناته على خلقه؛ لئلا تبطل حججه وبيناته].
من المعلوم في الدين بالضرورة أن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة وبلغ الرسالة، وأن الله رضي له ذلك، وأكمل الله الدين من كل وجه، وكان من وسائل كمال هذا الدين وتبليغه وحفظه أن نقل لنا شيء كثير منه من طريق الآحاد، فلو كان طريق الآحاد ليس بدليل في تثبيت الدين وفي تقريره والاعتماد عليه ما رضيه الله لنا ولا بقي الدين محفوظاً؛ لأنه إذا تطرق الاحتمال لشيء من الدين تطرق الاحتمال للدين كله، بل إذا تطرق الاحتمال إلى مفردة من مفردات الدين التي وردت في حديث الآحاد تطرق إلى كل ما يرد في حديث الآحاد، وحديث الآحاد كثير ويشمل جزءاً من الدين مهماً، فلو ألغينا هذا الجزء ما كان الدين كاملاً ولا كان محفوظاً، إذاً: لا بد أن يكون قبول خبر الآحاد من المعلوم بالضرورة؛ لأنه وسيلة من وسائل حفظ الدين، فإذا تأملنا بعض العقائد وبعض الأحكام وجدناها ثبتت بطريق الآحاد، وهي جزء من الدين.
ثم إن هناك أمراً آخر يحسن التنبيه عليه، وهو أن أصول الدين القطعية الكبرى ليس طريقها فقط حديث الآحاد؛ فإنها انعقدت بالإجماع وانعقدت بأمور أخرى ودلائل أخرى، ومن ذلك ما يتعلق بصفات الله عز وجل.
وأقصد بهذا أن أكثر الذين طعنوا في حديث الآحاد إنما لجئوا إلى الطعن في حديث الآحاد بسبب مخالفتهم في الصفات، فلو لم يكن هناك نزاع عندهم في الصفات لما تكلموا في أحاديث الآحاد، ولذلك ما عملوا بقاعدة عدم اعتماد خبر الآحاد إلا فيما يتعلق بالصفات، إذاً: فهم استهدفوا شيئاً من الدين ثبت بقواعد أخرى، بقواعد السلف المبنية على القواعد العامة، وهي إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [ولهذا فضح الله من كذب على رسوله في حياته وبعد وفاته، وبين حاله للناس، قال سفيان بن عيينة: ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث، وقال عبد الله بن المبارك: لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون: فلان كذاب].