قال رحمه الله تعالى: [وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لك أسلمت وبك آمنت)].
بدأ يستدل لمذهب أهل السنة في أن الإسلام والإيمان بينهما فرق إذا اجتمعا في سياق واحد كما في الحديث.
قال رحمه الله تعالى: [وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة، فليس لنا إذا جمعنا بينهما أن نجيب بغير ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا أفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام، وإذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمناً بلا نزاع، وهذا هو الواجب، وهل يكون مسلماً ولا يقال له: مؤمن؟ وقد تقدم الكلام فيه، وكذلك: هل يستلزم الإسلام الإيمان؟ فيه النزاع المذكور.
وإنما وعد الله بالجنة في القرآن وبالنجاة من النار باسم الإيمان، كما قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد:21].
وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة، لكنه فرضه وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد سواه، وبه بعث النبيين: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85].
فالحاصل أن حالة اقتران الإسلام بالإيمان غير حالة إفراد أحدهما عن الآخر، فمثل الإسلام من الإيمان كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى، فشهادة الرسالة غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيء واحد.
كذلك الإسلام والإيمان، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه، ولا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ونظائر ذلك في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفي كلام الناس كثيرة، أعني: في الإفراد والاقتران].
يقصد بهذا أنه لا يمكن أن تنفرد الشهادتين إحداهما عن الأخرى، كما أنه لا يمكن أن ينفرد مسمى الإيمان عن مسمى الإسلام في الجملة، فإن المسلم إذا شهد أن لا إله إلا الله فلابد أن يقر بالرسالة للرسول صلى الله عليه وسلم ويلتزم بلوازمها، وكذلك العكس، إذا شهد أن محمداً رسول الله فلابد أن يتضمن ذلك شهادة أن لا إله إلا الله، مع أن كل واحدة منهما لها لفظ ومعنى، وتعني أيضاً واجباً معيناً، لكن الواجبين لا ينفكان ولا يصح التفريق بينهما، وكذلك الإسلام والإيمان إذا اجتمعا دل كل واحد على معنى، وإذا افترقا تضمن كل واحد معنى الآخر.
قال رحمه الله تعالى: [منها: لفظ الكفر والنفاق، فالكفر إذا ذكر مفرداً في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5] ونظائره كثيرة، وإذا قرن بينهما كان الكافر من أظهر كفره، والمنافق من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه.
وكذلك لفظ البر والتقوى، ولفظ الإثم والعدوان، ولفظ التوبة والاستغفار، ولفظ الفقير والمسكين، وأمثال ذلك].