قوله: (وهذا الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم هو الذي تشهد له الأدلة العقلية) يقصد به الإخبار عما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من توحيد الله وطاعته وصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ويبدو لي أن العنوان الذي وضعه المحقق هنا ليس بدقيق، حيث قال: (الأدلة العقلية على صدق ما أخبر به الرسول) صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس مراده الأدلة على صدق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما أراد الأدلة العقلية على توحيد الربوبية وأنه مستلزم لتوحيد الإلهية الذي هو ضرورة طاعة الله واتباع شرعه، بناءً على دلالة العقل السليم والفطرة السليمة على وجود الله وكماله وقدرته، كما سيأتي تفصيله.
قال رحمه الله تعالى: [وتارة ما يكون باطلاً، وهو حساس متحرك بالإرادة فلا بد له من أحدهما، ولا بد له من مرجح لأحدهما].
هنا سيقرر الشارح ابن أبي العز أدلة وجود الله تعالى وتوحيده -أي: توحيد ربوبيته وإلهيته- من الفطرة السليمة والعقل السليم من وجوه متعددة كلها ترجع إلى أصل واحد في الاستدلال، وهو أن الفطرة السليمة والعقل السليم يدلان قطعاً على ضرورة توحيد الله تعالى في الربوبية والإلهية دون تفريق بين هذه الأمور.
قال رحمه الله تعالى: [ونعلم أنه إذا عرض على كل أحد أن يصدق وينتفع، وأن يكذب ويتضرر؛ مال بفطرته إلى أن يصدق وينتفع، وحينئذ فالاعتراف بوجود الصانع والإيمان به هو الحق أو نقيضه، والثاني فاسد قطعاً، فتعين الأول].
بناءً على القول بأن فطرة أي إنسان تميل إلى الصدق والانتفاع بالصدق وإلى ما ينفع إطلاقاً، وتنفر من الكذب وتتضرر به؛ فإن الإنسان بفطرته إما أن يصدق ما ينفعه -وهو الإقرار بوجود الصانع- أو لا يصدق، وإذا كان الإنسان قد فطر على التصديق والانتفاع، والتصديق والانتفاع هو في الإقرار بوجود الله تعالى وبعبادته وإلهيته؛ فحتماً لا بد من أن يكون هذا هو الافتراض اللازم؛ لأن الثاني قطعاً فاسد، أي: الميل إلى الكذب وإلى التضرر، فإذا كان كذلك تحتم الأول، وهو الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى النافع الضار.
قال رحمه الله تعالى: [فوجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع والإيمان به، وبعد ذلك: إما أن تكون محبته أنفع للعبد أو لا، والثاني فاسد قطعاً، فوجب أن يكون في فطرته محبة ما ينفعه].