قال رحمه الله تعالى: [اختلف الناس فيما يقع عليه اسم الإيمان اختلافاً كثيراً: فذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة رحمهم الله وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين إلى أنه تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان].
هنا زاد على كلام الشيخ الطحاوي الإشارة إلى العمل بالأركان، هذا أمر، الأمر الآخر أن العبارة فيها قصور في الحقيقة، وإن كان ابن أبي العز ربما لم يقصد ذلك، لكنه ما أراد أن يبين وجه الخطأ في كلام الطحاوي رحمه الله، وما أراد أن يشهر وجه الخطأ؛ لأنه حمله على أحسن المحامل.
وقوله: [اختلف الناس] ثم قوله: [ذهب مالك]، كان الأولى منه أن يقول: فذهب السلف؛ فهذا مذهب السلف إطلاقاً: الصحابة والتابعين وأئمة الهدى، ولم يخالفهم من الأئمة المشاهير إلا أبو حنيفة وشيخه حماد وعدد قليل من أتباعهما ممن يعدون من أئمة السلف، أما البقية فهم من أهل الأهواء، فعلى أي حال ينبغي أن يقال: فهذا مذهب السلف، ثم يذكر أفراداً منهم، فيقال: فمذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي كذا، كما فصل، أو أن يقال: فمذهب السلف -كـ مالك والشافعي - إلى آخره.
وقد تبع بعض المتكلمين السلف، أما أهل المدينة فهم أصل السلف، وأهل الظاهر أيضاً يوافقون السلف في كثير من الأصول في العقيدة، وقوله: [وجماعة من المتكلمين] يقصد جماعة من الأشاعرة والماتريدية.
والمعتزلة يوافقون أهل السنة بإجمال في هذا القول، فيدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، وكذلك أكثر الخوارج يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، لكنهم لا يجزئون الإيمان، حيث يرون أن الإيمان إذا اختل منه شيء اختل كله، فعند الإجمال يوافق المعتزلة والخوارج أهل السنة، لكن عند التطبيق والتفصيل يخالفون مخالفة كبيرة، فأهل السنة يرون أن الإيمان يتفاضل، ومع تفاضله إذا اختل منه عمل بقي الآخر، والخوارج والمعتزلة يرون أن الإيمان يشمل القول والعمل، لكن إذا اختل منه جزء اختل كله، ولا يزال مذهب أكثر الإباضية إلى اليوم.