قال رحمه الله تعالى: [وأيضاً: فإنه قد يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، فإن فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة: السبب الأول: التوبة، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم:60]، وقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور:5].
والتوبة النصوح -وهي الخالصة- لا يختص بها ذنب دون ذنب، لكن هل تتوقف صحتها على أن تكون عامة، حتى لو تاب من ذنب وأصر على آخر لا تقبل؟ والصحيح أنها تقبل، وهل يجب الإسلام ما قبله من الشرك وغيره من الذنوب وإن لم يتب منها؟ أم لا بد مع الإسلام من التوبة من غير الشرك؟ حتى لو أسلم وهو مصر على الزنا وشرب الخمر -مثلاً- هل لا يؤاخذ بما كان منه في كفره من الزنا وشرب الخمر؟ أم لا بد أن يتوب من ذلك الذنب مع إسلامه؟ أو يتوب توبة عامة من كل ذنب؟ وهذا هو الأصح: أنه لا بد من التوبة مع الإسلام، وكون التوبة سبباً لغفران الذنوب وعدم المؤاخذة بها مما لا خلاف فيه بين الأمة].
الذي ورد في النصوص أن الإسلام يجب ما قبله، وإذا كان يجب ما قبله -كما هو ظاهر الحديث- فإن ذلك يتضمن التوبة من الذنوب ويستلزمها أيضاً، أي: الإسلام بعد الكفر، فالدخول في الإسلام بعد كفر وشرك يعد توبة مطلقة يدخل فيها -والله أعلم- الذنوب التي يرتكبها الإنسان حال كفره، اللهم إلا إذا أصر على ذنب، فإذا أصر على ذنب واستمر عليه -بمعنى أنه صار عليه حال كفره وحال إسلامه- فإنه يبقى عليه ذنبه، لكنه يدخل في الإسلام.
إذاً: فالكافر إذا أسلم فالظاهر أن إسلامه يجب كل ما سبق من ذنوبه، ولا ذنب أعظم من الشرك والكفر، ولا شك أن من أسلم فقد استسلم وسلم لله عز وجل، ومن سلم فإنه بدأ أعماله من جديد، والإسلام يمحو كل ما سبق، هذا الظاهر والله أعلم، اللهم إلا إن بقي ذنب من الكبائر أصر عليه حال إسلامه؛ فإنه يستمر عليه الإثم، وهو ظاهر كلام المؤلف هنا.
قال رحمه الله تعالى: [وكون التوبة سبباً لغفران الذنوب وعدم المؤاخذة بها مما لا خلاف فيه بين الأمة، وليس شيء يكون سبباً لغفران جميع الذنوب إلا التوبة، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وهذا لمن تاب، ولهذا قال: {لا تَقْنَطُوا} [الزمر:53] وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر:54]].