المسألة التي تتبع هذا الأمر: مسألة التوقف والتبين، وهي من البدع التي انتشرت بين أبناء المسلمين في بعض البلاد التي يكثر فيها الجهل، ومسألة التبين والتوقف هي من آثار الهجرة والتكفير، وهي تابعة لمسألة التكفير، لكنها لم تصل إلى حد التكفير.
فهناك مجموعات أو جماعات أو أفراد -خاصة الذين ما أخذوا العلم على أصوله الصحيحة، ولا تعلموا على أيدي العلماء، وما عرفوا كيف يتناولون أصول الولاء والبراء ويرجعونها إلى قواعد الشرع، ولا عرفوا أقوال أهل العلم الراسخين في العلم- أخذوا نصوص الولاء والبراء ونصوص الوعد والوعيد فنظروا فيها ففهموا أنها تستدعي التوقف في إسلام جميع المسلمين أو أكثر المسلمين، وأنه لا بد من التبين قبل الحكم بالإسلام، وهذه النزعة هي من جنس التكفير، والغالب أنها تؤدي إلى التكفير، وقد كثرت في بعض المنتسبين للعلم الشرعي ممن لم يتعلموا على العلماء ولم يعرفوا قواعد الشرع.
فبعض هؤلاء يقول: إن المسلمين الأصل فيهم الإعراض عن الإسلام، وبعضهم يقول: الأصل فيهم الردة، وبعضهم يقول: الأصل فيهم عدم تحقق الإسلام، ولا يحكم بالردة ولا الكفر، إذاً: نتوقف في إسلام أهل القبلة إلا من عرفته وأقمت عليه الحجة وتبين لي أنه مسلم، فمن هنا قد لا يصلون وراء كل أحد من عامة المسلمين، وقد لا يتعاملون التعامل الشرعي مع كل أحد، فقد لا يردون السلام، فبعضهم إذا سلم عليه مسلم آخر ما تبين له حاله يقول: صباح الفل، صباح الخير، أو: أهلاً وسهلاً، ولا يقول: وعليكم السلام، يقول: أخشى أنه غير مسلم، فأكون قد وقعت في الإثم.
وقد يستغرب من هذه الظواهر، وقد يقول قائل: أين هي؟ وأقول: إنها موجودة، وإن كانت -والحمد الله- قليلة، ولكن ليس عندنا عصمة من الله عز وجل، فهذه الظواهر وصلت إلينا كما وصل التكفير إلى بعض من كانوا شذاذاً لتساهلنا وعدم عنايتنا بهذه الأمور، فالتبين موجود الآن وظهرت له مؤلفات وكتب وله زخم كبير بين طائفة من المنتسبين للعلم، وتثار قضاياه، خاصة في مصر وفي أفغانستان وفي بعض البلاد الإسلامية.