قال رحمه الله تعالى: [وقوله: (ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) إلى آخر كلامه رد على المرجئة، فإنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فهؤلاء في طرف والخوارج في طرف، فإنهم يقولون: نكفر المسلم بكل ذنب أو بكل ذنب كبير، وكذلك المعتزلة الذين يقولون: يحبط إيمانه كله بالكبيرة، فلا يبقى معه شيء من الإيمان.
لكن الخوارج يقولون: يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر! والمعتزلة يقولون: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر! وهذه المنزلة بين المنزلتين، وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار].
الفرق بين المعتزلة والخوارج فرق فلسفي، وليس فرقاً علمياً، فكلهم يكفرون بالكبيرة، لكن الخوارج يرون أن مرتكب الكبيرة في الدنيا كافر خالص، والمعتزلة ينفون عنه الإيمان، ونحن نقول: يلزم من نفي الإيمان الكفر، لكن المعتزلة جاءت بأسلوب فلسفي كعادة أهل البدع، حيث يأتون من عندهم باختراعات في الدين، فنظراً لأنهم ما توافر عندهم النص القطعي على كفر من ارتكب الذنب قالوا بأنه لا مؤمن ولا كافر، وهذه المنزلة بين المنزلتين التي ما استطاعوا أن يفسروها إلى الآن؛ لأن نصوص الشرع كلها ليس فيها أن هناك حالة ثالثة، بل إما أن يكون المرء مؤمناً، ودرجات الإيمان تتفاوت تفاوتاً عظيماً، أو يكون كافراً، ودرجات الكفر تتفاوت.
فهم يقولون: لا نسميه مؤمناً، فأخرجوه من الإيمان، ونلزمهم شرعاً بأن يدخلوه في الكفر، لكنهم فروا مما قالت الخوارج؛ لأنهم قاموا بردة فعل ضد الخوارج، ومسألة الحوار بينهم وبين الخوارج هي التي جعلتهم يتكلفون مذهباً وسيطاً بزعمهم، وهو أنه -أي: مرتكب الكبيرة- إذا لم يتب في الدنيا فهو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، هذا في الدنيا، وفي الآخرة بينهم تشابه، لكن عند التفصيل نجد أن بينهم شيئاً من الفروق الفلسفية، فالخوارج يقولون: مرتكب الكبيرة مخلد في النار، وعذابه عذاب الكافرين والمشركين، وليس بينه وبينهم فرق، والمعتزلة تقول بأنه مخلد في النار أيضاً، وتقول بمنع الشفاعة كما تقول الخوارج، لكنها تقول بأن عذاب مرتكبي الذنوب في الآخرة -وإن كانوا مخلدين في النار ولا تشملهم الشفاعة- غير عذاب المشركين، وهذه من عندهم جاءوا بها تخلصاً من موافقة الخوارج.