قال رحمه الله تعالى: [قوله: (ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله).
يشير الشيخ رحمه الله تعالى إلى الكف عن كلام المتكلمين الباطل وذم علمهم، فإنهم يتكلمون في الإله بغير علم وغير سلطان أتاهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23]].
وهنا يؤكد قاعدة معلومة عند السلف، وهي أنه لا يجوز الخوض في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة، لكن قد يكون من القول الجائز رد بعض مفردات النصوص إلى قواعد الأسماء والصفات، فهذا أمر جائز؛ لأنه يحتاج إليه الناس بعد وجود الأهواء وعدم وجود التعطيل والتشبيه والتمثيل، فإن السلف قد يتكلمون أحياناً ببعض الفروع التي ترجع إلى أصول تقررت في الكتاب والسنة، فمثلاً: قد يرجعون إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة التي خاض فيها الخائضون إلى مثل قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
فهذا أمر طبيعي لا يعد من الخوض، فرد آيات الله بعضها إلى بعض، وتفسير آيات الله بعضها ببعض، وتفسير الآيات بالأحاديث والأحاديث بالآيات أمر لا يعد من الخوض، إلا إذا وصل إلى درجة المراء والتكلف.
فالكلام في أسماء الله وصفاته وأفعاله وفي ذاته سبحانه بأكثر مما ورد في النصوص لا يجوز، بل هو من أشد المحرمات وأعظمها ومن أعظم الآثام، وما يضطر إليه بعض السلف من الكلام عن شبهات القوم من أهل الكلام أمر لا يعد قاعدة، إنما هو شذوذ عن القاعدة باستثناء اقتضته بالضرورة، وبعض طلاب العلم قد يستبيح لنفسه أن يقرأ كتب أهل الكلام ويتكلم أو يخوض في بعض ما خاض فيه أهل الكلام، بدعوى أنه يريد الاطلاع، فنقول: هذا لا يجوز، بل هو إثم بحد ذاته، حتى وإن اعتقد أنه يضمن سلامة عقيدته.
فمجرد الاطلاع على كتب أهل الكلام لغير ضرورة يقدرها أهل العلم ولغير حاجة يعد من أعظم الآثام وأعظم الكبائر؛ لأنها تؤدي إلى الخوض في ذات الله وأسمائه وصفاته بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة، وإلى القول على الله بغير علم، وقد يقول قائل: أنا أقرأ ولا أعتقد ما أقرأ، فنقول: حتى مجرد قراءتك لما خاض به الخائضون هي بحد ذاتها إثم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى مع عمر بن الخطاب صحيفة من التوراة نهاه أشد النهي وغضب واحمر وجهه، مع أنه يعلم أن عمر -وقد هداه الله- لا يزيغ لمثل هذه الورقة، لكنه أراد أن يسد باب الاطلاع على كتب أهل الباطل، إلا لضرورة يقدرها أهل العلم للدفاع عن الإسلام أو الرد على أهل الأهواء أو حماية عقيدة المسلمين إذا انتشرت الأهواء، وهذا يجب أن يكون بحدود ضيقة، وأن يتولاه أشخاص تتوافر فيهم شروط يقدرها أهل العلم.
أما أن ينبري لهذا كل طالب علم وكل من قدر على القراءة ممن هب ودب فهذا لا يصح، وأقول هذا؛ لأني أرى بوادر تساهل كثير من طلاب العلم في قراءة مثل هذه الكتب، وهذا تفريط، فيجب أن نتناصح فيه.