قال رحمه الله تعالى: [وأما الأنبياء والمرسلون فعلينا الإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله، والإيمان بأن الله تعالى أرسل رسلاً سواهم وأنبياء لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله تعالى الذي أرسلهم.
فعلينا الإيمان بهم جملة؛ لأنه لم يأت في عددهم نص، وقد قال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78]].
الإيمان الإجمالي معناه أنه لابد لكل مسلم من أن يؤمن بأن الله عز وجل أرسل أنبياء ورسلاً، وأن عددهم كثير، وأن الله أرسل في كل أمة رسولاً، وأقام الحجة إما برسول، وإما بدين جاء به هذا الرسول حتى لو لم يكن حياً بين ظهراني أمته، بمعنى أن إرسال الرسول لا يعني: أن يكون حياً بين أمته، بل قد تبقى رسالته وتبقى شريعته ويكون هذا بمثابة إقامة حجة، وقوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24] قال بعض أهل العلم: إن المقصود به: النبي والرسول، وبعضهم قال: المقصود به النبي والرسول أو من يحمل الرسالة الباقية التي لم تغير ولم تحرف من المنذرين والمصلحين، وهذا الاستدلال الثاني لا ينافي الأول، وهو الذي يدل عليه واقع الأمم والبشر؛ فإن هناك من الأمم من بقيت فيهم شرائع الأنبياء حتى بعد موتهم، فإن شريعة موسى بقيت بعده حجة على قومه وعلى البشر الذين سمعوا برسالته.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت رسالته لا تخضع للقاعدة؛ لأن الله جعل له عموم الرسالة من ناحية؛ ولأن الله أبقى دينه محفوظاً إلى قيام الساعة، لكن مع ذلك فإنه بعد موته بقيت رسالته حجة، وما جاء به حجة.
إذاً: لابد من الإيمان بأن الله عز وجل أقام الحجة بالرسل على جميع البشر وجميع الأمم، وبأنه ذكر طائفة من هؤلاء الأنبياء والرسل ولم يذكر غيرهم وهو تعالى أعلم بهم، وقد ورد في ذلك حديث حسنه كثير من أهل العلم، وقال بعضهم بأنه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، وهو حديث أبي ذر وأبي أمامة الذي فيه ذكر عدد الأنبياء وعدد الرسل، فهذا الحديث إن صح وجب اعتقاد ما ورد فيه من عدد النبيين وعدد المرسلين، ففيه أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد النبيين فذكر أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وسأله عن عدد المرسلين فقال له بأنهم ثلاثمائة وبضعة عشر، وفي بعض الروايات: ثلاثة عشر، وبعضها: خمسة عشر، وإذا ثبت هذا الحديث فإنه نص على عدد النبيين والمرسلين، فيدخل في باب الإيمان بالأنبياء والرسل على جهة الإجمال، أما على جهة التفصيل فالمقصود: أنه لابد لكل مسلم من أن يؤمن ويجزم ويصدق بكل نبي ورد ذكره في كتاب الله عز وجل أو صح ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ورد وصفه ولو لم يرد ذكره، فلابد من الإيمان به من خلال وصفه.