أما الكلام عن خالد بن عبد الله القسري فهو مما خالف فيه أهل الأهواء أهل السنة في كل العصور، وإلى يومنا هذا، لكن في العصر الحاضر نجد بعض المثقفين من أبناء المسلمين الذين قد لا يتهمون بهوى أو نزعة افتراق وإنما لجهلهم وقلة اطلاعهم على أقوال السلف خاضوا فيما خاض فيه الأولون في اتهام خالد بن عبد الله القسري وأمثاله بأن قتله رءوس البدع والأهواء كان لغرض سياسي، وهذا نوع من تفسير ما في القلوب والنيات لا يجوز، وهذا قول قال به معاصرون من الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والرافضة، ثم صار سمة لأهل الأهواء دائماً، ما أن يقع فيه طوائف من أبناء السنة فهذا مما لا ينبغي السكوت عليه، وينبغي التنبيه عليه، والتحذير من الوقوع في المجاراة للمبطلين وأهل الأهواء.
وخالد بن عبد الله القسري رحمه الله من أمراء العراق، كان عنده شيء من القسوة والظلم وليس ممدوحاً في جميع خصاله، وإن كان جواداً كريماً، وله غيرة على دين الله عز وجل، لكن له خصال مذمومة، وقد يكون عنده شيء من النصب، أي: القول في علي بما لا يجوز، فهذا نسب إليه، وقد لا يثبت، ومع ذلك لا يلزم من كونه غيوراً على دين الله عز وجل أن يكون سوياً في جميع جوانب حياته وخصاله، وهذه قاعدة في جميع الولاة في تاريخ الإسلام، أنه لا يلزم من كون الوالي قوياً في الدين، ومجاهداً في سبيل الله أن يكون على سمت أهل الورع والتقوى والصلاح من كل وجه.
وأظن عدم إدراك هذه المسألة هو الذي أوقع بعض شبابنا في الخلط، فظنوا أنه ما دام قد اتهم بشيء من الظلم والمعاصي فلا يمكن أن يكون قتله هؤلاء الزنادقة إلا لسياسة، أقول: هذا لا يجوز، وما قاله أحد السلف الذين عاصروه ومن بعدهم من أئمة الدين إلى يومنا؛ لأنه حكم على القلوب والنيات، ولأنه أيضاً يعد من مجاراة أهل الأهواء والقول بقولهم.
فقتله لمثل الجعد كان بناءً على فتوى أهل العلم، وإذا كان مثل هذا القتل يخدم الوالي فهذا أمر آخر لا صلة له بهذه المسألة، وهو أمر مظنون لا ينبغي أن نبني عليه أحكاماً، وهذا يشمل خالد بن عبد الله القسري وغيره ممن تصدوا لأهل الأهواء وعندهم بعض الفساد، فإنهم يحمدون على ما فعلوا، وقد تكون قوتهم في نصر الحق من التأييد لدين الله عز وجل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).
قال رحمه الله تعالى: [وأخذ هذا المذهب عن الجعد الجهم بن صفوان فأظهره وناظر عليه، وإليه أضيف قول الجهمية، فقتله سلم بن أحوز أمير خراسان بها].
هنا أيضاً مسألة مهمة، وهي أيضاً تشمل ما سبق، وهي الحكم على سلم بن أحوز في قتله كثيراً من الزنادقة، فقد قتل الجهم وغيره، ولاشك في أن الجهم حينما قتل كان قتله على إثر خروجه على الأئمة، ولهذا فرح بعض أهل الأهواء قديماً وحديثاً وبعض الذين تأثروا بهم بهذه المناسبة، فجعلوا مثل هذه الظواهر -أي: قتل هؤلاء من رءوس البدع- لأسباب سياسية.
وأنا أقول: الجهم خرج، ومن أسباب قتله خروجه، ومن أسباب قتله قوله بالتجهم أيضاً، فاجتمع الأمران في قتله: أنه خرج على الأئمة، وأنه أيضاً كان جعدياً على مذهب الجعد، وسمت الفرقة باسمه فيما بعد.
فيصح أن يكون الجهم قتل لخروجه، لكن هذا أمر أيضاً لا يتنافى مع كونه قتل للتعطيل، وهذا يشمل أيضاً جميع أهل الأهواء.
ومن سمات أهل الأهواء أنهم يرون الخروج، فلذلك أكثرهم قتل لخروجه، وقتل أيضاً لاعتقاده الخروج ولو لم يخرج فعلاً، وقد يكون قتل أيضاً لآرائه وعقائده.
ومن هؤلاء غيلان الدمشقي، فـ غيلان الدمشقي قتل لقوله في القدر وغلوه في ذلك وتعطيله، وقتل أيضاً لأنه كان يرى الخروج، وهذه سمة أهل الأهواء جميعاً، أنهم يجمعون مع أهوائهم القول بالخروج، ولذلك ذكر كثير من السلف أن من السمات الجامعة لأهل الأهواء أنهم يرون السيف على تفاوت بينهم.
فإذاً: لا يستبعد أن يكون الشخص الواحد يجتمع فيه أمران لقتله: فيكون ذا عقائد باطلة تستوجب قتله، ويكون أيضاً ممن يرى الخروج، أو ينتهز الفرصة مع كل خارج، ومع كل ناعق.
وهنا أنبه على أن القاسمي في (تاريخ الجهمية والمعتزلة) تعاطف مع الجهمية ومع بعض الفرق، واعتبرها مظلومة في بعض جوانب آرائها.
فعلى هذا لا يصح أن نعتمد عليه في مثل هذه الأمور التي فيها حكم على الأشخاص، وحكم على أمور العقيدة.
قال رحمه الله تعالى: [ثم انتقل ذلك إلى المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد وظهر قولهم في أثناء خلافة المأمون، حتى امتحن أئمة الإسلام، ودعوهم إلى الموافقة لهم على ذلك.
وأصل هذا مأخوذ عن المشركين والصابئة، وهم ينكرون أن يكون إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً؛ لأن الخلة هي كمال المحبة المستغرقة للمحب، كما قيل: