سيفصل الشارح في إثبات العلو والفوقية لله عز وجل، وكل ذلك رد على المؤولة، لاسيما أن إنكار الفوقية الذاتية لله عز وجل والعلو مما وقع فيه طوائف من أهل العلم من المنتسبين للحديث والفقه وغيرهم، خاصة من الأشاعرة والماتريدية، فإن من أعظم ما تابعوا فيه الجهمية موضوع العلو والفوقية، وهذا أمر جعل السلف يحشدون له كثيراً من المؤلفات والأقوال والمناظرات؛ لأنه مما عمت به البلوى وانخدع به كثير من عامة المسلمين؛ لأنه قال به بعض المنتسبين للعلم والمنتسبين للسنة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وإنما أنكر أهل الكلام العلو قياساً على عموم المخلوقات، فقالوا: لا يمكن أن تكون الفوقية إلا في جهة، والذي في جهة لا بد أن يكون مقابلاً، والمقابل يلزم من مقابلته حدود ومسافة إلى آخره.
فهو يلزمهم بإلزامهم، يقول: على قولكم: إنه لا يمكن أن يكون فوق فلابد من أن يكون في ضد الفوق، وإذا نفيتم ضد الفوق فإن الذي لا يوجد فوق ولا في غير فوق يكون معدوماً.
فهو أراد أن يلزمهم بلوازم عقلية، وإلا فإن أهل السنة لا يحتاجون إلى هذا الرأي ولا يقولون به؛ لأن مسألة الفوق والسفل لا تحكم غير المخلوقات ولا شك، لكن نظراً لأنهم أخضعوا أفعال الخالق سبحانه عز وجل وقاسوها بأفعال المخلوقين، وقاسوا صفات الخالق بصفات المخلوقين فقالوا بإنكار العلو والفوقية؛ لأنه يلزم منها بزعمهم وجود الذات، ووجود الذات حقيقة لكنهم لا يريدون إثبات وجود الذات، وأما إذا لزم إثبات وجود الذات لزم إثبات لوازم الذات من الكم والكيف والحدود والمسافة إلى آخره، فكل هذا أخذوه من باب قياس المخلوقات، فهو أراد أن يلزمهم بكل شيء، وأكثر المسائل التي ستأتي في الرد التفصيلي في الدرس اللاحق -إن شاء الله- كلها من هذا الباب، من باب الإلزام العقلي على قواعدهم العقلية، وإلا فالناس الذين هم على الفطرة تكفيهم براهين القرآن، وهي براهين عقلية قاطعة، إضافة إلى أنها خبر عن الله عز وجل لا يقبل الجدل.