وأما قصة إبراهيم عليه السلام حين نظر في ملكوت الله فلا تحمل على أنه كان يبحث عن وجود الله، وليس عنده شك في أن الله واحد وأنه وحده المعبود؛ إذ ربما كان في ذلك الوقت لم ينزل إليه الشرع، وقد كان موجوداً في بيئة وثنية، فهو رفض الأصنام، وكان يبحث عن طريق صحيح إلى عبادة الله، فبعقله بحث عن هذا الطريق فوصل إلى أن الله لا يعبد من خلال مظاهر ناقصة، إنما يعبد من خلال الكمال، ولا يعبد من خلال الوسائط، إنما يعبد سبحانه وتعالى بدون وسيط، بطريقة شرعية، فتوصل بفطرته إلى أن تلك الأشياء نظراً لنقصها -حيث أفل النجم والقمر والشمس- لا يمكن أن تكون هي الله أو الموصلة إلى الله، فعرف أن الله يعبد دون هذه الأشياء؛ لأنها ناقصة والناقص لا يستحق العبادة، فلم يكن عنده شك في توحيد الله تعالى ولا في وجوده، وإنما لم يكن عنده الشرع، والله أعلم بالذي به يعبد، فكانت هذه تهيئة له ليتنزل عليه شرع قويم، وهو دين الحنيفية، وقد ورد أيضاً أن ذلك كان من باب إقامة الحجة على الآخرين، لكن هذا تأويل قد يصح وقد لا يصح، والحاصل أن إبراهيم عليه السلام توصل إلى أن هذه مخلوقات ناقصة، وتوصل إلى توحيد الله الخالص، وهذا لا يقاس عليه؛ لأن إبراهيم في ذلك الوقت لم يكن عنده شرع منزل ولا رسالة، فلا يقاس عليه المسلمون الآن، فقد قامت عليهم الحجة بالقرآن والسنة وإقامة البراهين، بل جميع البشر قامت عليهم الحجة بالإسلام وبأدلة الإسلام المتمثلة في الكتاب والسنة والحجج العقلية التي رسمها القرآن.