قال رحمه الله تعالى: [قوله: (فويل لمن ضاع له في قدر قلباً سقيماً -وفي نسخة: فويل لمن صار قلبه في القدر قلباً سقيماً- لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً، وعاد بما قال فيه أفاكاً أثيماً): القلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]، أي: كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان؛ فالقلب الصحيح الحي إذا عرض عليه الباطل والقبائح نفر منها بطبعه وأبغضها ولم يلتفت إليها، بخلاف القلب الميت؛ فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر.
وكذلك القلب المريض بالشهوة؛ فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك، بحسب قوة المرض وضعفه].
هذا ميزان صحيح، وينبغي لكل مسلم أن يعرض حاله على هذا الميزان دائماً وفي كل وقت، بمعنى: أن يستعرض قوة إيمانه ويحاسب نفسه بمثل هذا الميزان لينظر مدى ما في قلبه من حب الخير وأهل الخير؛ ومدى ما في قلبه من حب الإسلام والمسلمين ونصرة الحق والمعروف وبذله، ومدى ما في قلبه من غيرة على الحق، وولاء للمؤمنين، ونحو ذلك، فقد يقوى الدافع ويقوى القلب بهذا الأمر وقد يضعف، وقد ينعدم الإحساس نسأل الله السلامة، أما معدوم الإحساس فإنه -إن شاء الله- لا يكون في أهل العلم وأهل الخير والمنتسبين للحق وأهله، لكن الكلام على ضعف الإحساس؛ فإن ضعف الإحساس دليل على ضعف الإيمان، ويجب على كل مسلم أن يختبر نفسه بين وقت وآخر بهذا الميزان، ليعلم مدى شعور قلبه بالأمور الإيمانية، وبحب الحق وأهل الحق وبالولاء للحق وأهله، ومدى ما في قلبه من غيرة ومن شعور بما يجري للإسلام والمسلمين، وليعلم ما يجد في قلبه مما يجري من أمور تعارض الحق والإسلام، ومن أمور المنكرات وأمور الشرور والمصائب التي تجلب الفتن، فإن كان القلب يتحرك بذلك ففيه إيمان، وإن كان تحركه أقوى؛ فهذا دليل على قوة الإيمان، وإن كان القلب يتمعر ويتأثر ويعظم إحساسه بهذه الأمور فهذا -إن شاء الله- دليل على الاستقامة.
فالمهم أن هذا الميزان ميزان حق، ويجب على المسلم أن يستعرض أحواله ويستعرض أعماله وإحساسه وخواطره وعواطفه بهذا الميزان.