قال رحمه الله تعالى: [قوله: (وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه).
هذا بناء على ما تقدم من أن المقدور كائن لا محالة، ولقد أحسن القائل: ما قضى الله كائن لا محالة والشقي الجهول من لام حاله والقائل الآخر: اقنع بما ترزق يا ذا الفتى فليس ينسى ربنا نملة إن أقبل الدهر فقم قائماً وإن تولى مدبراً نم له].
يقصد بقوله: (وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه) التسليم لأقدار الله بعد وقوعها، لكن لا يعني ذلك عدم الأخذ بأسباب تفادي الأقدار، فإن الأقدار منها ما هو سار ونافع، فيجب على العباد أن يبذلوا الأسباب للحصول على السار النافع وعلى أقدار الخير، ومنها ما هو ضار وشر، فيجب على العباد أن يسعوا إلى بذل الأسباب التي تمنع من الضرر والشر قبل وقوعه، بمعنى أنه لا يشرع للإنسان أن يسلم للأمر قبل وقوعه فيترك بذل الأسباب، بل لابد من بذل الأسباب، فإذا وقعت المقادير بعد بذل الأسباب فلابد من التسليم، فإذا وقعت المقادير على ما يحب العبد؛ فليحمد الله على ذلك وليشكره، وإذا وقعت على غير ما يحب العبد؛ فليعلم أن ذلك من حكمة الله عز وجل وتقديره وخيرته التي اختارها للعبد، وليسلم بهذا، وأن ما أصابه من هذه المقادير لم يكن ليخطئه ما دام قد حصل، فلا يقول: لو أني فعلت كذا لتفاديت هذا السبب أو هذه المصيبة أو هذا الحدث، أو لو أني لم أفعل كذا لحصل كذا، فلا داعي للتحسر على أمر مضى، فإذا وقع المقدور فلا يجوز للإنسان ولا ينبغي له أن يتحسر وأن يندم على أمر لم يفرط فيه، أما إن فرط فليندم على التفريط فقط، وليستأنف تفادي ما حصل في الماضي في الأمور المستقبلة، أما الأمور الماضية فإن ما أخطأ العبد فيها لم يكن ليصيبه ما دام قد أخطأه، وكذلك ما أصابه لم يكن ليخطئه مهما بذل من الأسباب ما دام قد حدث.
إذاً: على العبد أن يسلم بالماضي وأن يسعى في المستقبل إلى ما يصلح أموره في دينه ودنياه على أمر الله وشرعه وعلى هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فيبذل الأسباب ولا يقعد عنها، وبعد ذلك يعتمد على الله ويتوكل عليه.