Q هل القول الثاني في مسألة الميثاق قول شاذ، مع أن بعض العلماء الأجلاء قال به، كـ شيخ الإسلام وابن القيم؟
صلى الله عليه وسلم القول الثاني يقصد به أن الميثاق هو الفطرة، وأنه ليس هناك شيء يسمى إشهاداً فعلياً، وأن الله عز وجل لم يأخذ ذرية آدم من ظهره أو من ظهورهم بشكل حقيقي، وأن ما ورد في الحديث إنما هو تعبير عن الفطرة، وتمثيل تخييلي، وهذا القول هو قول المتكلمين، وعلى هذا فلا يمكن أن يقول به شيخ الإسلام ابن تيمية ولا ابن القيم، فالذي يقول به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -فيما أذكر- هو أن الميثاق باق بالفطرة، وهذا حق، فالميثاق بقيت آثاره بالفطرة، وأن الناس في الحياة الدنيا لا يذكرون قصة الميثاق إلا من خلال ما ذكره الله عز وجل في كتابه، وخبره صدق، لكنهم لا يتذكرون أنهم حدث لهم ذلك المشهد الذي ورد في الحديث، وهذا لا يعني أنه لم يحدث، وتفسير هذا بالفطرة لا يعني إنكار حدوث مشهد الإشهاد والميثاق، وليس بينهما اختلاف كما ذكرت.
فعلى هذا فإن القول الثاني الذي أشرت إليه وأشار إليه الشارح لا يقول به إلا عدد قليل من السلف، والقائلون بحصول الإشهاد الفعلي والميثاق منهم من يثبتون الميثاق كما ورد في الحديث، ويفسرون الآية بمعنى من المعاني، وهو الفطرة والدلائل الكونية، وليس بين القولين تناقض.
إنما القول الذي يعد قليلاً هو القول بأنه لم يحدث الميثاق على النحو الذي ورد في الحديث؛ نظراً لضعف الحديث، وأن المقصود بالميثاق هو الفطرة ودلائل وجود الله عز وجل، وإقامة البراهين الكونية والشرعية على الخلق.
وعلى هذا فيمكن أن تكون الأقوال على النحو الآتي: الأول: قول أغلب السلف، وهو أن الإشهاد حصل فعلاً، وأنه بقيت دلائله بالفطرة والدلائل الكونية والشرعية، وأنه لا تناقض بين هذا وذاك، لكنهم اختلفوا في الدليل، فبعضهم قال: إن مسألة الإشهاد الواردة في الحديث غير مسألة الإشهاد الواردة في الآية.
وبعضهم قال: إن الإشهاد المقصود بالآية والحديث هو القصة الحادثة فعلاً، وأنه ذلك المشهد الذي قد حصل، فهذان قولان.
والقول الثالث: إنكار أن يكون هناك شيء من الإشهاد الذي وردت قصته في الحديث، وهو أن الله عز وجل أخذ من آدم ذريته، ومن بني آدم ذريتهم، وأشهدهم فعلاً واستنطقهم، وقصر الإشهاد على مسألة الدلائل التي ذكرتها، وهذا قول قليل، وما قال به إلا بعض المتكلمين وبعض العلماء الذين ما ثبت عندهم الحديث.