قال رحمه الله تعالى: [وكل من طلب أن يُحكِّم في شيء من أمر الدين غير ما جاء به الرسول، ويظن أن ذلك حسن، وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه؛ فله نصيب من ذلك، بل ما جاء به الرسول كاف كامل، يدخل فيه كل حق، وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه، فلم يعلم ما جاء به الرسول في كثير من الأمور الكلامية والاعتقادية، ولا في كثير من الأحوال العبادية، ولا في كثير من الإمارة السياسية، أو نسبوا إلى شريعة الرسول -بظنهم وتقليدهم- ما ليس منها، وأخرجوا عنها كثيرا مما هو منها، فبسبب جهل هؤلاء وضلالهم وتفريطهم، وبسبب عدوان أولئك وجهلهم ونفاقهم كثر النفاق ودرس كثير من علم الرسالة].
ذكر الشارح أصناف الذين يعدلون عن شرع الله وعن العقيدة من المتصوفة ومن الفلاسفة وغيرهم من الفئات الأخرى التي تعرض عن دين الله، ففي هذا الكلام إشارة إلى أصناف الذين يعدلون عن دين الله.
فذكر الجهل، وهذا فيه إشارة إلى أن هناك فئة من الناس تعدل عن دين الله جهلاً، وذكر في العبارة الثانية الضلال، فالفئة الثانية من الذين يعدلون عن دين الله هم الذين تعمدوا الضلالة من أصحاب الأهواء والبدع، فهؤلاء ضلوا؛ لأنهم لم يكونوا جهلة، بل الغالب أن ضلالهم عن علم وعن عمل.
والصنف الثالث هم الذين فرطوا، وهم الذين يتساهلون في دين الله، يعلمون أن دين الله حق، ويعترفون بذلك ويصدقون، ويعرفون أيضاً أحكام الشرع، لكنهم يفرطون من باب التساهل أو التقصير أو غلبة الشهوات أو غلبة الهوى، وهؤلاء كثر.
والصنف الرابع: الذين يعرضون عن دين الله عدواناً، وهم أشبه بالصنف الثاني، لكن هؤلاء -في الغالب- يقعون في المخالفة لدين الله بنوع من التحدي للشرع وأهله.
والصنف الخامس هم أهل النفاق، ذكرهم في قوله: [وبسبب عدوان أولئك وجهلهم ونفاقهم] فأهل النفاق الذين يظهرون الإسلام ويدعون أنهم من أهله ومن أنصاره ويبطنون الكيد؛ هم أخطر الفئات كلها، وربما يوجدون في جميع الفئات الأخرى.