قال رحمه الله تعالى: [قال أبو القاسم القشيري في رسالته: سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي سمعت منصور بن عبد الله سمعت أبا الحسن العنبري سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول وقد سئل عن ذات الله، فقال: ذات الله موصوفة بالعلم، غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول، وتراه العيون في العقبى ظاهراً في ملكه وقدرته، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته، فالقلوب تعرفه والعيون لا تدركه، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية].
قوله: (ينظر إليه المؤمنون بالأبصار) يعني: يوم القيامة، وهذا أمر بدهي ما كان يحتاج إلى احتراز عند الأوائل، لاسيما أن القائل من أوائل العباد النساك، فهذا من كلام سهل بن عبد الله التستري، وهو من أوائل العباد النساك الذين ترتكز عليهم الصوفية في بدعها وتنسب إليه ما لم يقله وما لم يفعله، كما أن له رحمه الله بعض الشطحات، لكنها ليس كشطحات الصوفية، ويلحظ في هذا السند أن كل رجاله من أوائل المتصوفة الذين لم تختل عندهم العقيدة، لكن عندهم شطحات في السلوك والعبادة، والمقصود سلوك التصوف وليس سلوك الأخلاق.
فـ أبو القاسم القشيري معروف من كبار المتصوفة الأوائل، وكذلك السلمي من كبار المتصوفة الأوائل، ومنصور بن عبد الله كذلك، وأبو الحسن العنبري كذلك، وسهل بن عبد الله التستري من أكابر العباد والنساك الأوائل الذين حصل منهم الشطحات.
والمقصود أن هذا القول من التستري يدل على أن العباد الأوائل -إذ هو من عباد القرن الثالث- كانوا على عقيدة السلف، فلذلك نجد بالاستقراء أنهم في القرن الثاني والثالث من أقوى الناس دفاعاً عن العقيدة ومن أحسن الناس تعبيراً عن العقيدة وتقريراً لها، ومن أكثر أهل العلم وأهل التقوى والصلاح غيرة على العقيدة ورداً على أهل البدع، وبه نفهم أن الانحراف العقدي العلمي للصوفية ما بدأ إلا في القرن الرابع وما بعده، نعم الانحراف في العبادات وفي المفاهيم بدأ مبكراً، لكن الانحراف العقدي ما بدأ إلا مع بداية الطرق البدعية.